بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين, وعلى آله الطيبين الطاهرين , وصحبه البررة الأكرمين, أما بعد: فهذه سلسلة مباركة سميتها: فاكهة المجالس وتحفة المؤانس , أعرض فيها ما انتقيته واخترته لكم من فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أديية , اقتطفتها من بطون الكتب والتواريخ والطبقات والتراجم ,وسأعلق على بعضها بما فتح الله تعالى علي من زيادة تعريفات , وتوضيح مبهمات , وتفسير مجملات , وذكر طبعات الكتب المصنفات, لتكمل الفائدة والاستفادة, وستكون تعليقاتي باللون الأزرق, مفتتحة بقولي: قلت , والله تعالى المسؤول أن يحلها في قلوبكم وأنظاركم محل القبول والرضى , وأن يعينني على إكمالها وإتمامها , وأن يبارك فيها وينميها , وينفع بها كثيرا من عباده المؤمنين, آمين / كتبه أبو يعلى البيضاوي المغربي غفر الله ولوالديه

السبت، 15 ديسمبر 2012

136- حُمَّى مصطنعة


قيل: دخل أبو بكر الخالدي على الخليفة، فأنشده قصيدة امتدحه بها فأجازه، وكان بين يديه صحن يشم أزرق، فلمحه أبو بكر , فأعطاه الخليفة إياه, فخرج من عنده وهو مسرور، فمر على أبي الفتح بن خالويه, فهنأه أبو الفتح بذلك، فلما أصبح جاء إلى الخدمة، فقال له الخليفة: كيف حالك وكيف كان مَبيتك؟ , قال: بخير, ودعا له، وقال: بِتنا ندعوا لمولانا أمير المؤمنين، وبت أتفنن في الصحن, وأتَمَلَّى بحسنه، فأضفته إلى صدقات مولانا ورفده، وكل خير عندنا من عنده، فَتَنَمَّرَ أمير المؤمنين، واستشاط غضباً وزجره
فخرج من عنده حزيناً كئيباً، فمر على ابن خالويه فسأله عن السبب, وما الخبر ؟, فأخبره بما قال، فقال له أبو الفتح: أَوَ قُلْتَهَا ؟ , فقال: نعم. فقال: أين أنت؟ , أتجعل أمير المؤمنين كلباً ؟, أين ذهب عقلك؟ , أو ما سمعت قول أبي نواس في طريدته:

فكل خير عندهم من عنده ... وكل رفد نالهم من رفده
فكاد الخالدي أن يموت فزعاً, ثم قال له: عَرِّفْنِي كيف المخلص؟, قال: تَمَارَضْ مُدة, ثم أظهر أنك شفيت, ثم تأتي أمير المؤمنين، فإذا سألك عن سبب مرضك، فقل له: طالعت طَرِيدَةَ أبي نواس، فلما فعل ذلك رضي عنه أمير المؤمنين.

المصدر: [ حياة الحيوان للدميري 2/141]

قلت - رحم الله والدي-:
وقع ما يشبه هذه القصة للشاعر السلامي, فلعلها تكررت, أو وقع وهم في نسبتها, فقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله في كتابه الممتع: الأذكياء [ص53], قال: روى أبو الحسن بن هلال بن المحسن الصابي قال: حكى السلامي الشاعر قال: دخلت على عضد الدولة فمدحته, فأجزل عطيتي من الثياب والدنانير, وبين يديه حسام خرواني, فرآني أَلْحَظُهُ فرمى به إِلَيَّ, وقال: خذه, فقلت وكل خير عندنا من عنده, فقال عضد الدولة: ذاك أبُوكَ, فبَقِيتُ مُتحيرأ, لا أدري ما أراد, فجئت أستاذي, فشرحتُ له الحال, فقال: ويحكَ قد أخطأتَ عظيمة, لأن هذه الكلمةَ لأبي نواس, يصف كلبا حيث يقول:
أنعت كلبا أهله في كده ... قد سعدت جدودهم بجده
وكل خيرعنده من عنده ...
قال: فعُدْتُ مُتوشِّحا بكِساء, فوقفتُ بين يدي الملك, فقال: مالك ؟ , فقلت: حُمِمتُ السَّاعَة, فقال: هل تعرف سَبَبَ حُمَّاكَ, قلت: نظرتُ في ديوان أبي نواس, فقال: لا تخف, لا بأس عليك من هذه الحُمَّا, فسجدتُ بين يديه وانصرفت

توضيح وبيان: السلامي: العلامة الأديب أبو الحسن محمد بن عبيد الله بن محمد بن محمد القرشي المخزومي البغدادي، من فحول الشعراء,كان عضد الدولة يقول: إذا رأيت السلامي في مجلسي، خِلت أن عطارد نزل من الفلك إِلَيَّ/ت393هـ, ترجمته في سير أعلام النبلاء [17 /74]
الخالدي: هو أبو بكر محمد بن هاشم بن وعكة الموصلي, شاعر أديب، اشتهر هو وأخوه سعيد بالخالديين. وكانا من خواص سَيْف الدَّوْلَة ابن حمدان/ت نحو 380 هـ, وابن خالويه: أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه، من كبار النحاة/ت 370 هـ
الطَرَدية, بفتح الطاء والراء, وهي القصيدة التي تصف رحلات الصيد, و الطرائد وكلاب الصيد والصقور, ولأبي نواس محمد بن هانىء الشاعر المشهور نحو خمسين طَرَدية, والطردية الواردة في القصة من أبياتها:
أتعب كلبا أهله في كده ... قد سعدت جدودهم بجده
فكلّ خير عندهم من عنده ... وكلّ رفد نالهم من رفده
يظلّ مولاه له كعبده ... يبيت أدنى صاحب من فهده
إذا عرى جلله ببرده ... ذا غرة محجلا بزنده
يلذّ منه العين حسن قده ... يا حسن شدقيه وطول خده

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق