بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين, وعلى آله الطيبين الطاهرين , وصحبه البررة الأكرمين, أما بعد: فهذه سلسلة مباركة سميتها: فاكهة المجالس وتحفة المؤانس , أعرض فيها ما انتقيته واخترته لكم من فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أديية , اقتطفتها من بطون الكتب والتواريخ والطبقات والتراجم ,وسأعلق على بعضها بما فتح الله تعالى علي من زيادة تعريفات , وتوضيح مبهمات , وتفسير مجملات , وذكر طبعات الكتب المصنفات, لتكمل الفائدة والاستفادة, وستكون تعليقاتي باللون الأزرق, مفتتحة بقولي: قلت , والله تعالى المسؤول أن يحلها في قلوبكم وأنظاركم محل القبول والرضى , وأن يعينني على إكمالها وإتمامها , وأن يبارك فيها وينميها , وينفع بها كثيرا من عباده المؤمنين, آمين / كتبه أبو يعلى البيضاوي المغربي غفر الله ولوالديه

الخميس، 8 نوفمبر 2012

90- تكذيب المعتزلة للحديث الصحيح

[ قال الحافظ عز الدين عبد الرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي رحمه الله /ت 661هـ ]:
لقد عجبتُ من جُرْأة المعطلين على هذه الشريعة، وتسميتهم المتمسكين بها أهل حشو، فتراهم يبادرون إلى تكذيب الأخبار النبوية، المنقولة على ألسنة العلماء الثقات الأثبات، بناء على خيالات فاسدة، يتوهمونها، لكن شؤم البدعة سلبهم وصف التوفيق، فحال بينهم وبين التصديق والتحقيق، وعَمِيَتْ عليهم مسالك الهدى، فتورَّطوا في مهالك الردى. هذا صاحب الكشّاف الزّمخشري يقول في تفسيره : وما روي من الحديث: "ما من مولود..."، ثم ساق الحديث إلى آخره، ثم قال: إن صَحَّ، فمعناه: أن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه، إلا مريم وابنها، واستهلاله صارخاً من مَسِّهِ تخييل وتصويرلِطَمَعِهِ فيه. وأما حقيقة المس والنخس كما يَتَوَهَّمُ أهل الحشو فكلا، ولو سُلِّط إبليس على الناس بنخسهم لامتلأت الدنيا صراخاً وعياطاً.

قلت: ولست أعجب من قوله عن حديث اتفق أئمة الإسلام على تصحيحه وتدوينه، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده، والبخاري ومسلم في صحيحيهما: "إن صَحَّ"؛ لأن الرجل كان جاهلاً بهذا العلم الجليل، ولكن من صفاقة وجهه في رد الحديث على تقدير التصحيح، والتمحل لتعطيل اللفظ الصريح، مع أنه لا منافاة في ذلك بين النقل والعقل، لأن العقل لا يحيل ذلك لذاته، ولا يلزم منه محال على تقدير إثباته.
وأما قوله: "لو سُلِّط إبليس على الناس ينخسهم لامتلأت الدنيا صراخاً وعياطاً"، فكلام يُشمِتُ به أعداءه، لا، بل يحزنهم عليه، فما أحقه بإنشاد قول الشاعر:

أغرى يديه بكشف عورته ... ... من أذن الله في فضيحته

لأن نبينا - صلى الله عليه وسلم - لم يخبر بتسليط الشيطان على الإنسان بالنخس إلا حالة الولادة، فكيف يتوجه منه هذا الإلحاد؟ ومن أين يلزم أن تمتلئ الدنيا صراخاً وعياطاً؟ 
ولعله إذا استقرئ البلد العظيم، وتصفح مَن ولد فيه في يوم، لا يبلغ عدداً يوجب أضعاف أضعافه بعض ما توهمه، من امتلاء الدنيا صراخاً. 
فسبحان من حفظ هذا الدين بحملةٍ عدول، يَنْفُون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. اللَّهم فاحفظنا من ضلالات الأهواء، وعافنا من خيالات الآراء.

المصدر : [ رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز 1/ 159]

قلت – رحم الله والدي -:
ما أشد ولع القدرية -أقمأهم الله- برد هذا الحديث الشريف الصحيح, سنة ورثوها عن أكابرهم وسلفهم غير الطاهر, فأول من حكي عنه رده منهم كبيرهم الذي سن لهم الضلالة والبدعة: عمرو بن عبيد أبو عثمان البصري, فقذ ذكر الحافظ عماد الدين بن كثير في تاريخه 10 / 79: روي له حديث ابن مسعود: حدثنا الصادق المصدوق «إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما» حتى قال: «فيؤمر بأربع كلمات. رزقه وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد» إلى آخره. فقال: لو سمعت الأعمش يرويه لكذبته، ولو سمعته من زيد بن وهب لما أحببته، ولو سمعته من ابن مسعود لما قبلته، ولو سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته، ولو سمعت الله يقول هذا لقلت ما على هذا أخذت علينا الميثاق. 
[ قال ابن كثير ]: وهذا من أقبح الكفر، لعنه الله إن كان قال هذا. وإذا كان مكذوبا عليه فعلى من كذبه عليه ما يستحقه. اهـ, وخبر ابن عبيد أسنده عنه الخطيب في تاريخه 12/ 172, وعنه ابن الجوزي في المنتظم في 8 /61 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق