بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين, وعلى آله الطيبين الطاهرين , وصحبه البررة الأكرمين, أما بعد: فهذه سلسلة مباركة سميتها: فاكهة المجالس وتحفة المؤانس , أعرض فيها ما انتقيته واخترته لكم من فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أديية , اقتطفتها من بطون الكتب والتواريخ والطبقات والتراجم ,وسأعلق على بعضها بما فتح الله تعالى علي من زيادة تعريفات , وتوضيح مبهمات , وتفسير مجملات , وذكر طبعات الكتب المصنفات, لتكمل الفائدة والاستفادة, وستكون تعليقاتي باللون الأزرق, مفتتحة بقولي: قلت , والله تعالى المسؤول أن يحلها في قلوبكم وأنظاركم محل القبول والرضى , وأن يعينني على إكمالها وإتمامها , وأن يبارك فيها وينميها , وينفع بها كثيرا من عباده المؤمنين, آمين / كتبه أبو يعلى البيضاوي المغربي غفر الله ولوالديه

السبت، 3 نوفمبر 2012

87- أهل العلم وعلم المنطق

[ قال أبو حيان الأندلسي ] :
لما حَللتُ بديار مصر, ورأيت كثيرا من أهلها يشتغلون بجهالات الفلاسفة ظاهرا من غير أن ينكر ذلك أحد تعجبت من ذلك، إذ كنا نشأنا في جزيرة الأندلس على التبرؤ من ذلك, والإنكار له، وأنه إذا بيع كتاب في المنطق إنما يباع خفية، وأنه لا يتجاسر أن ينطق بلفظ المنطق، إنما يسمونه المفعل، حتى أن صاحبنا وزير الملك ابن الأحمر أبا عبد الله محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن الحكيم كتب إلينا كتابا من الأندلس يسألني أن أشتري أو أستنسخ كتابا لبعض شيوخنا في المنطق، فلم يتجاسر أن ينطق بالمنطق وهو وزير، فسماه في كتابه لي بالمفعل. 

المصدر: [ البحر المحيط في التفسير 6 / 47 ]

قلت - رحم الله والدي -:
للعلامة الحافظ ابن الصلاح رحمه الله فتوى شهيرة في حكم المنطق, وهي ضمن فتاويه 1 /209 ,ونصها : مَسْأَلَة: فِيمَن يشْتَغل بالْمَنْطق والفلسفة تَعْلِيما وتعلما وَهل الْمنطق جملَة وتفصيلا مِمَّا أَبَاحَ الشَّارِع تَعْلِيمه وتعلمه وَالصَّحَابَة والتابعون وَالْأَئِمَّة المجتهدون وَالسَّلَف الصالحون, ذكرُوا ذَلِك أَو أباحوا الِاشْتِغَال بِهِ, أَو سوغوا الِاشْتِغَال بِهِ, أم لَا , وَهل يجوز أَن يسْتَعْمل فِي إِثْبَات الْأَحْكَام الشَّرِيعَة الاصطلاحات المنطقية أم لَا , وَهل الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة مفتقرة إِلَى ذَلِك فِي إِثْبَاتهَا أم لَا , وَمَا الْوَاجِب على من تلبس بتعليمه وتعلمه متظاهرا بِهِ , مَا الَّذِي يجب على سُلْطَان الْوَقْت فِي أمره , وَإِذا وجد فِي بعض الْبِلَاد شخص من أهل الفلسفة مَعْرُوفا بتعليمها وإقرائها والتصنيف فِيهَا وَهُوَ مدرس فِي مدرسة من مدارس الْعلم فَهَل يجب على سُلْطَان تِلْكَ الْبِلَاد عَزله , وكفاية النَّاس شَره ؟
أجَاب رَضِي الله عَنهُ :
الفلسفة رَأس السَّفه والانحلال, ومادة الْحيرَة والضلال, ومثار الزيغ والزندقة, وَمن تفلسف عميت بصيرته عَن محَاسِن الشَّرِيعَة المؤيدة بالحجج الظَّاهِرَة والبراهين الباهرة, وَمن تلبس بهَا تَعْلِيما وتعلما قارنه الخذلان والحرمان, واستحوذ عَلَيْهِ الشَّيْطَان, وَأي فن أخزى من فن يعمي صَاحبه أظلم قلبه عَن نبوة نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم, كلما ذكره ذَاكر وَكلما غفل عَن ذكره غافل, مَعَ انتشار آيَاته المستبينة ومعجزاته المستنيرة, حَتَّى لقد انتدب بعض الْعلمَاء لاستقصائها فَجمع مِنْهَا ألف معْجزَة, وعددناه مقصرا إِذا فَوق ذَلِك بأضعاف لَا تحصى فَإِنَّهَا لَيست محصورة على مَا وجد مِنْهَا فِي عصره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم, بل لم تزل تتجدد بعده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على تعاقب العصور, وَذَلِكَ أَن كرامات الْأَوْلِيَاء من أمته وإجابات المتوسلين بِهِ فِي حوائجهم ومغوثاتهم عقيب توسلهم بِهِ فِي شدائدهم براهين لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قواطع, ومعجزات لَهُ سواطع, وَلَا يعدها عد وَلَا يحصرها حد, أعاذنا الله من الزيغ عَن مِلَّته, وَجَعَلنَا من المهتدين الهادين بهديه وسنته, وَأما الْمنطق فَهُوَ مدْخل الفلسفة, ومدخل الشَّرّ شَرّ, وَلَيْسَ الِاشْتِغَال بتعليمه وتعلمه مِمَّا أَبَاحَهُ الشَّارِع وَلَا استباحه أحد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين وَالسَّلَف الصَّالِحين وَسَائِر من يَقْتَدِي بِهِ من أَعْلَام الْأَئِمَّة وسادتها وأركان الْأمة وقادتها قد برأَ الله الْجَمِيع من مغرة ذَلِك وأدناسه وطهرهم من أوضاره, وَأما اسْتِعْمَال الاصطلاحات المنطقية فِي مبَاحث الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة فَمن الْمُنْكَرَات المستبشعة, والرقاعات المستحدثة, وَلَيْسَ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة, وَالْحَمْد الله فالافتقار إِلَى الْمنطق أصلا, وَمَا يزعمه المنطقي للمنطق من أَمر الْحَد والبرهان فقعاقع قد أغْنى الله عَنْهَا بِالطَّرِيقِ الأقوم, والسبيل الأسلم الأطهر كل صَحِيح الذِّهْن, لَا سِيمَا من خدم نظريات الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة, وَلَقَد تمت الشَّرِيعَة وعلومها, وخاض فِي بحار الْحَقَائِق والدقائق علماؤها, حَيْثُ لَا منطق وَلَا فلسفة وَلَا فلاسفة, وَمن زعم أَنه يشْتَغل مَعَ نَفسه بالْمَنْطق والفلسفة لفائدة يزعمها فقد خدعه الشَّيْطَان, ومكر بِهِ, فَالْوَاجِب على السُّلْطَان أعزه الله وأعز بِهِ الْإِسْلَام وَأَهله أَن يدْفع عَن المسملين شَرّ هَؤُلَاءِ المشائيم, ويخرجهم من الْمدَارِس, ويبعدهم, ويعاقب على الِاشْتِغَال بفنهم, ويعرض من ظهر مِنْهُ اعْتِقَاد عقائد الفلاسفة على السَّيْف أَو الاسلام, لتخمد نارهم, وتنمحي آثارها وآثارهم, يسر الله ذَلِك وعجله, وَمن أوجب هَذَا الْوَاجِب عزل من كَانَ مدرس مدرسة من أهل الفلسفة والتصنيف فِيهَا والإقراء لَهَا, ثمَّ سجنه وألزامه منزله, وَمن زعم أَنه غير مُعْتَقد لعقائدهم فَإِن حَاله يكذبهُ, وَالطَّرِيق فِي قلع الشَّرّ قلع أُصُوله, وانتصاب مثله مدرسا من العظائم جملَة, وَالله تبَارك وَتَعَالَى ولي التَّوْفِيق والعصمة وَهُوَ أعلم
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتاب الرد على المنطقيين أو نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان/ رابط تحميله, واختصره العلامة جلال الدين السيوطي في كتابه: جهد القريحة في تجريد النصيحة / رابط تحميله, وله أيضا كتاب : صون المنطق والكلام عن فني المنطق والكلام, طبع , وكذا كتاب: القول المشرق في تحريم المنطق / رابط تحميله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق