بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين, وعلى آله الطيبين الطاهرين , وصحبه البررة الأكرمين, أما بعد: فهذه سلسلة مباركة سميتها: فاكهة المجالس وتحفة المؤانس , أعرض فيها ما انتقيته واخترته لكم من فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أديية , اقتطفتها من بطون الكتب والتواريخ والطبقات والتراجم ,وسأعلق على بعضها بما فتح الله تعالى علي من زيادة تعريفات , وتوضيح مبهمات , وتفسير مجملات , وذكر طبعات الكتب المصنفات, لتكمل الفائدة والاستفادة, وستكون تعليقاتي باللون الأزرق, مفتتحة بقولي: قلت , والله تعالى المسؤول أن يحلها في قلوبكم وأنظاركم محل القبول والرضى , وأن يعينني على إكمالها وإتمامها , وأن يبارك فيها وينميها , وينفع بها كثيرا من عباده المؤمنين, آمين / كتبه أبو يعلى البيضاوي المغربي غفر الله ولوالديه

الأحد، 21 أكتوبر 2012

65- الحلف بالأب

قال ابن الجوزري رحمه الله : 

إِن قيل: فقد روى أَبُو دَاوُد فِي " سنَنه " من حَدِيث طَلْحَة بن عبيد الله : أَن أَعْرَابِيًا جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ عَمَّا افْترض الله عَلَيْهِ، فَلَمَّا أخبرهُ قَالَ: وَالله لَا أَزِيد على هَذَا وَلَا أنقص، فَقَالَ رَسُول الله: " أَفْلح وَأَبِيهِ إِن صدق. دخل الْجنَّة وَأَبِيهِ إِن صدق ", فَكيف ينْهَى عَن شَيْء يَسْتَعْمِلهُ ؟
فَالْجَوَاب من أَرْبَعَة أوجه:
أَحدهَا: أَنه لَيْسَ فِي الْأَلْفَاظ المخرجة فِي الصَّحِيح، وَالصَّحِيح مُقَدم.
وَالثَّانِي: أَن أَكثر الروَاة يروون بِالْمَعْنَى على مَا يَظُنُّونَهُ، فَيحمل على أَنه من قَول بَعضهم.
وَالثَّالِث: أَنه يحمل على مَا قبل النَّهْي؛ لِأَن قَوْله: " إِن الله يَنْهَاكُم " يشْعر بإتيان وَحي فِي ذَلِك.
وَالرَّابِع: أَن يكون هَذَا مِمَّا جرى على لِسَانه على سَبِيل الْعَادة، وَلم يقْصد بِهِ قَصد الْقَوْم، لأَنهم كَانُوا يُعَظمون الْآبَاء ويَفتخرون بهم، وَكَانُوا إِذا اجْتَمعُوا بِالْمَوْسِمِ ذكرُوا فعال آبَائِهِم وأيامهم فِي الْجَاهِلِيَّة فافتخروا بذلك، فَنزل قَوْله تَعَالَى: {فاذكروا الله كذكركم آبَاءَكُم أَو أَشد ذكرا} [الْبَقَرَة: 200]

المصدر : [ كشف المشكل من حديث الصحيحين 1/ 53 ]

قلت – رحم الله والدي -:
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 1 / 107: قوله: أفلح إن صدق وقع عند مسلم ( 1 / 150 ) من رواية إسماعيل بن جعفر المذكورة : أفلح وأبيه إن صدق , أو دخل الجنة وأبيه إن صدق , ولأبي داود مثله ( 392 ) ( 3252 ), لكن بحذف: أو
فإن قيل: ما الجامع بين هذا وبين النهي عن الحلف بالآباء ؟
أجيب: بأن ذلك كان قبل النهي, أو بأنها كلمة جارية على اللسان, لا يقصد بها الحلف, كما جرى على لسانهم: عَقْرَى حَلْقَى وما أشبه ذلك, أو فيه إضمار اسم الرب كأنه قال: ورب أبيه 
وقيل: هو خاص, ويحتاج إلى دليل, وحكى السهيلي عن بعض مشايخه أنه قال: هو تصحيف, وإنما كان والله فقصرت اللامان, واستنكر القرطبي هذا, وقال: إنه يجزم الثقة بالروايات الصحيحة, وغفل القرافي فادعى أن الرواية بلفظ: وأبيه لم تصح, لأنها ليست في الموطأ, وكأنه لم يرتض الجواب فعدل إلى رد الخبر وهو صحيح لا مرية فيه, وأقوى الأجوبة الأولان .اهـ
وقال ابن عبد البر في التمهيد 14 / 367: الحلف بالمخلوقات كلها في حكم الحلف بالآباء, لا يجوز شيء من ذلك, فإن احتج محتج بحديث يروى عن إسمعيل بن جعفر عن أبي سهيل نافع بن مالك بن ابن أبي عامر عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله في قصة الأعرابي النجدي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفلح وأبيه إن صدق
قيل له : هذه لفظة غير محفوظة في هذا الحديث من حديث من يحتج به, وقد روى هذا الحديث مالك وغيره عن أبي سهيل, لم يقولوا ذلك فيه, وقد روي عن إسمعيل بن جعفر هذا الحديث, وفيه: أفلح والله إن صدق, أو دخل الجنة والله إن صدق, وهذا أولى من رواية من روى: وأبيه, لأنها لفظة منكرة, تردها الآثار الصحاح, وبالله التوفيق 

بيان وتوضيح : عقرى حلقى: قال الخطابي في غريب الحديث 3 / 247:أكثر أصحاب الحديث يقولون: عَقْرَى حَلْقَى على وزن غَضْبَى وعَطْشَى, قال أبو عبيد4: وإنما هو عَقْرًا حَلْقًا على معنى الدعاء, معناه: عقرها الله وحلقها, فقوله: عقرها: يعني عقر جسدها, وحلقها: أصابها بوجع في حلقها, وقال ابن الأثير في النهاية 3 / 272 : عقرى حلقى أي عقرها الله وأصابها بعقر في جسدها, وظاهره الدعاء عليها، وليس بدعاء في الحقيقة، وهو في مذهبهم معروف.اهـ
وللشيخ عقيل بن محمد بن زيد المقطري رسالة صغيرة اسمها: تمام المنة في تخريج حديثي أفلح وأبيه إن صدق وأما وأبيك لتنبأنه,يمكنكم الاطلاع عليها هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق