بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين, وعلى آله الطيبين الطاهرين , وصحبه البررة الأكرمين, أما بعد: فهذه سلسلة مباركة سميتها: فاكهة المجالس وتحفة المؤانس , أعرض فيها ما انتقيته واخترته لكم من فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أديية , اقتطفتها من بطون الكتب والتواريخ والطبقات والتراجم ,وسأعلق على بعضها بما فتح الله تعالى علي من زيادة تعريفات , وتوضيح مبهمات , وتفسير مجملات , وذكر طبعات الكتب المصنفات, لتكمل الفائدة والاستفادة, وستكون تعليقاتي باللون الأزرق, مفتتحة بقولي: قلت , والله تعالى المسؤول أن يحلها في قلوبكم وأنظاركم محل القبول والرضى , وأن يعينني على إكمالها وإتمامها , وأن يبارك فيها وينميها , وينفع بها كثيرا من عباده المؤمنين, آمين / كتبه أبو يعلى البيضاوي المغربي غفر الله ولوالديه

الخميس، 18 أكتوبر 2012

36- الفرج بعد الشدة

قال أبو بكر النجاد: ضقت وقتا من الزمان , فمضيت إلى إبراهيم الحربي , فذكرت له قصتي فقال: أعلم أنني ضقت يوما , حتى لم يبق معي إلا قيراط , فقالت الزوجة: فتش كتبك , وانظر ما لا تحتاج إليه فبعه , فلما صليت العشاء الآخرة جلست في الدهليز أكتب , إذ طرق على الباب طارق , فقلت: من هذا؟ , فقال: كلمني , ففتحت الباب , فقال لي: أطفىء السراج , فطفيتها , فدخل الدهليز فوضع فيه كارة , وقال لي: اعلم أننا أصلحنا للصبيان طعاما , فأحببنا أن يكون لك وللصبيان فيه نصيب , وهذا أيضا شيء آخر , فوضعه إلى جانب الكارة , وقال: تصرفه في حاجتك , وأنا لا أعرف الرجل , وتركني وانصرف , فدعوت الزوجة , وقلت لها: أسرجي فأسرجت , وجاءت , وإذا الكارة منديل له قيمة , وفيه خمسون وسطا , في كل وسط لون من الطعام , وإلى جانب الكارة كيس فيه ألف دينار 



قال النجاد : فقمت من عنده , ومضيت إلى قبر أحمد , فزرته , ثم انصرفت , فبينما أنا أمشي على جانب الخندق إذ لقيتني عجوز من جيراننا , فقالت لي: يا أحمد , فأجبتها , فقالت: ما لك مغموم؟ , فأخبرتها , فقالت لي: اعلم أن أمك أعطتني قبل موتها ثلاثمائة درهم , فقالت لي: أخبئي هذه عندك , فإذا رأيت ابني مضيقا مغموما فأعطيه إياها , فتعال معي حتى أعطيك إياها , فمضيت معها , فدفعتها إلي .


المصدر : [طبقات الحنابلة 2/ 9]


قلت -رحم الله والدي - :

 في هذه القصة فوائد لو فصلت لطال الأمر , نختصرها في رؤوس اقلام, أقول فيها:

الاولى : وصف حال العلماء في ذلك الزمن وصبرهم على الفقر وشدة المعيشة

الثانية : شكوى حال المرء لإخوانه 

الثالثة: تسلية الإخوان على مصائبهم والتخفيف عنهم حسب الوسع والطاقة , فيغلب على الظن أن حالة الحربي لم تكن جيدة وإلا لما كتفى بتسلية صاحبه بحكاية
الرابعة: العالم يجوع ولا يبيع كتبه , كما ان الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها
الخامسة: إخلاص المتصدق المحسن , وإتيانه ليلا لئلا يعرف , وأمره بإطفاء السراج زيادة في إخفاء حاله
السادسة : رحمة الأم , وحسن نظرها لولدها , وتفقدها حاله بعد موتها 
السابعة : وفاء الجارة العجوز , وأدائها لأمانتها 
فرحم الله تلك الأرواح ,و حشرنا معهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر , وفي كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي قصص مشابهة , تنشرح لها الصدور , وتنفرج لها النفوس , حملوه غير ملزمين من الرابط
الكارة : قال في تاج العروس (14 / 76): الكارة: الحال الذي يحمله الرجل على ظهره. وقال الجوهري: الكارة: ما يحمل على الظهر من الثياب، أو هي مقدار معلوم من الطعام يحمله الرجل على ظهره

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق