بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين, وعلى آله الطيبين الطاهرين , وصحبه البررة الأكرمين, أما بعد: فهذه سلسلة مباركة سميتها: فاكهة المجالس وتحفة المؤانس , أعرض فيها ما انتقيته واخترته لكم من فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أديية , اقتطفتها من بطون الكتب والتواريخ والطبقات والتراجم ,وسأعلق على بعضها بما فتح الله تعالى علي من زيادة تعريفات , وتوضيح مبهمات , وتفسير مجملات , وذكر طبعات الكتب المصنفات, لتكمل الفائدة والاستفادة, وستكون تعليقاتي باللون الأزرق, مفتتحة بقولي: قلت , والله تعالى المسؤول أن يحلها في قلوبكم وأنظاركم محل القبول والرضى , وأن يعينني على إكمالها وإتمامها , وأن يبارك فيها وينميها , وينفع بها كثيرا من عباده المؤمنين, آمين / كتبه أبو يعلى البيضاوي المغربي غفر الله ولوالديه

الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

33- حسن الصوت بالقرآن , وعظيم تأثيره في القلوب

قال الحافظ العلامة أبو بكر ابن العربي المعافري :
قد سمعت تاج القراء ابن لفتة بجامع عمرو يقرأ: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك} [الإسراء: 79], فكأني ما سمعت الآية قط.
وسمعت ابن الرفاء , وكان من القراء العظام يقرأ، وأنا حاضر بالقرافة: فكأني ما سمعتها قط.
وسمعت بمدينة السلام شيخ القراء البصريين يقرأ في دار بها الملك: {والسماء ذات البروج} [البروج: 1] , فكأني ما سمعتها قط , حتى بلغ إلى قوله تعالى: {فعال لما يريد} [البروج: 16] فكأن الإيوان قد سقط علينا. 
والقلوب تخشع بالصوت الحسن كما تخضع للوجه الحسن، وما تتأثر به القلوب في التقوى فهو أعظم في الأجر وأقرب إلى لين القلوب وذهاب القسوة منها.
وكان ابن الكازروني يأوي إلى المسجد الأقصى، ثم تمتعنا به ثلاث سنوات، ولقد كان يقرأ في مهد عيسى فيسمع من الطور، فلا يقدر أحد أن يصنع شيئا طول قراءته إلا الاستماع إليه.
وكان صاحب مصر الملقب بالأفضل قد دخلها في المحرم سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة وحَوّلها عن أيدي العباسية، وهو حنق عليها , وعلى أهلها بحصاره لهم وقتالهم له، فلما صار فيها، وتدانى بالمسجد الأقصى منها، وصلى ركعتين تصدى له ابن الكازروني، وقرأ: {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير} [آل عمران: 26] فما ملك نفسه حين سمعه أن قال للناس على عظم ذنبهم عنده، وكثرة حقده عليهم: {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين} [يوسف: 92].
والأصوات الحسنة نعمة من الله تعالى، وزيادة في الخلق ومنة, وأحق ما لبست هذه الحلة النفيسة والموهبة الكريمة كتاب الله؛ فنعم الله إذا صرفت في الطاعة فقد قضي بها حق النعمة.

المصدر: [ أحكام القرآن 4/ 5 ] 


اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق