بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين, وعلى آله الطيبين الطاهرين , وصحبه البررة الأكرمين, أما بعد: فهذه سلسلة مباركة سميتها: فاكهة المجالس وتحفة المؤانس , أعرض فيها ما انتقيته واخترته لكم من فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أديية , اقتطفتها من بطون الكتب والتواريخ والطبقات والتراجم ,وسأعلق على بعضها بما فتح الله تعالى علي من زيادة تعريفات , وتوضيح مبهمات , وتفسير مجملات , وذكر طبعات الكتب المصنفات, لتكمل الفائدة والاستفادة, وستكون تعليقاتي باللون الأزرق, مفتتحة بقولي: قلت , والله تعالى المسؤول أن يحلها في قلوبكم وأنظاركم محل القبول والرضى , وأن يعينني على إكمالها وإتمامها , وأن يبارك فيها وينميها , وينفع بها كثيرا من عباده المؤمنين, آمين / كتبه أبو يعلى البيضاوي المغربي غفر الله ولوالديه

الأحد، 27 يناير 2013

209- "مُدُّ النبي" صلى الله عليه وسلم و "مد هشام"


قال [ العلامة "أبو بكر ابن العربي " رحمه الله ]: قد بَيَّنَا في كفارة اليمين أن المعتبر الوَسَطُ من الإطعام، وهو مد بـ: "مد النبي" صلى الله عليه وسلم, وقال "مالك" في رواية "ابن القاسم" و"ابن عبد الحكم": مد بـ: "مد هشام"، وهو الشِّبَعُ هاهنا؛ لأن الله تعالى أطلق الطعام ولم يذكر الوسط
وقال في رواية "أشهب": مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم, قيل له: ألم تكن قلت: "مد هشام"، قال: بلى، ومدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم - أحب إلي. وكذلك قال عنه "ابن القاسم" أيضا. و"مد هشام" هو مدان غير ثلث بمد النبي صلى الله عليه وسلم
قال أشهب: قلت له: أيختلف الشبع عندنا وعندكم؟, قال: نعم. الشبع عندنا مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم, والشبع عندكم أكثر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا لنا بالبركة دونكم، وأنتم تأكلون أكثر مما نأكل نحن، وهذا بين جدا.
قال "ابن العربي": وقع الكلام هاهنا كما ترون في "مد هشام"، وددت أن يهشم الزمان ذكره، ويمحو من الكتب رسمه؛ فإن المدينة التي نزل الوحي بها، واستقر بها الرسول، ووقع عندهم الظهار, وقيل لهم فيه: «فإطعام ستين مسكينا» فَهِمُوه وعرفوا المراد به، وأنه الشبع، وقدره معروف عندهم, متقدر لديهم، فقد كانوا يجوعون لحاجة, ويشبعون بسنة لا بشهوة ومجاعة، وقد ورد ذكر الشبع في الأخبار كثيرا، وقد تكلمنا على هذه في "الأنوار"، واستمرت الحال على ذلك أيام الخلفاء الراشدين المهديين، حتى نفخ الشيطان في أذن "هشام"، فرأى "مد النبي" صلى الله عليه وسلم لا يشبعه، ولا مثله من حاشيه ونظرائه، فسَوَّلَ له أن يتخذ مُدا يكون فيه شبعه، فجعله رطلين، وحمل الناس عليه، فإذا ابتل عاد نحو ثلاثة أرطال، فغير السنة، وأذهب محل البركة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم حين دعا ربه لأهل المدينة بالبركة لهم في مدهم وصاعهم: مثل ما بارك لإبراهيم بمكة. فكانت البركة تجري بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم في مده، فسعى الشيطان في تغيير هذه السنة وإذهاب البركة، فلم يستجب له في ذلك إلا هشام، فكان من حق العلماء أن يلغوا ذكره، ويمحوا رسمه، وإذا لم يغيروا أمره، وأما أن يحيلوا على ذكره في الأحكام، ويجعلوه تفسيرا لما ذكره الله ورسوله بعد أن كان مفسرا عند الصحابة الذين نزل عليهم فخطب جسيم؛ ولذلك كانت رواية "أشهب" في ذكر مدين بمد النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة الظهار أحب إلينا من الرواية بأنها بمد هشام.
ألا ترى كيف نبه "مالك" على هذا العلم بقوله "لأشهب": الشبع عندنا بـ: "مد النبي" صلى الله عليه وسلم، والشبع عندكم أكثر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لنا بالبركة، وبهذا أقول؛ فإن العبادات إذا أديت بالسنة، فإن كانت في البدن كان أسرع للقبول، وإن كانت في المال كان قليلها أثقل في الميزان، وأبرك في يد الآخذ، وأطيب في شدقه، وأقل آفة في بطنه، وأكثر إقامة لصلبه، والله الموفق لا رب غيره

المصدر : [ أحكام القرآن 4 / 196]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق