قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين [ ابن الصلاح ]: قَرَأت بِخَط أبي الْفضل ابْن عَسْكَر الْمَعْرُوف ب: ابْن اللِّحْيَة الْفَقِيه الشَّافِعِي، حَدثنَا القَاضِي أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن نصر بن عبد الله الْعمريّ السَّهْمِي الشيزري قَاضِي طبرية وخطيبها بطبرية من لَفظه وَكتبه لي بِخَطِّهِ، حَدثنِي الشَّيْخ الْفَقِيه أَبُو طَاهِر إِبْرَاهِيم بن الْحسن بن طَاهِر الْمَعْرُوف ب: ابْن الحصني الْحَمَوِيّ الشَّافِعِي قَالَ:
كنت عِنْد الْملك الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود بن زنكي - رَحمَه الله - فِي دَار الْعدْل بقلعة دمشق، وَعِنْده جمَاعَة من الْفُقَهَاء والعدول والكتبة، فَالْتَفت إِلَى كَاتبه وَقَالَ: اكْتُبْ إِلَى نَائِبِنَا بـ: "معرة النُّعْمَان" ليقْبض على جَمِيع أَمْلَاك أَهلهَا، فقد صَحَّ عِنْدِي أَن أهل المعرة يتقاوضون الشَّهَادَة، فَيشْهد أحدهم لصَاحبه فِي ملك ليشهد لَهُ ذَلِك الْمَشْهُود لَهُ بِملك آخر فِي مَوضِع آخر، فَجَمِيع مَا فِي أَيْديهم من الْملك إِنَّمَا حصلوه بِهَذَا الطَّرِيق، قَالَ: فَقلت لَهُ: اتَّقِ الله فِي ذَلِك، فَإِنَّهُ لَا يتَصَوَّر أَن يتمالأ أهل بلد على شَهَادَة الزُّور، فَقَالَ: إِنَّه قد صَحَّ عِنْدِي ذَلِك، فَسكت، فَكتب الْكَاتِب الْكتاب, وَدفعه إِلَيْهِ ليعلم عَلَيْهِ، وَإِذا صَبِيٌّ رَاكِبٌ بَهِيمَةً سَائِرٌ على نَهرِ بردى, وَهُوَ ينشد:
(اعدلوا مَا دَامَ أَمركُم ... نَافِذا فِي النَّفْع وَالضَّرَر)
(واحفظوا أَيَّام دولتكم ... إِنَّكُم مِنْهَا على خَطَرْ)
(إِنَّمَا الدُّنْيَا وَزينتهَا ... حسن مَا يبْقى من الْخَبَر)
قَالَ: فَاسْتَدَارَ إِلَى الْقبْلَة وَسجد، ثمَّ رفع رَأسه واستغفر الله عز وَجل مِمَّا عزم عَلَيْهِ، ثمَّ مزق الْكتاب، وتلا قَوْله تَعَالَى: {فَمن جَاءَهُ موعظة من ربه فَانْتهى فَلهُ مَا سلف} [الْبَقَرَة: 275]
المصدر : [ طبقات الفقهاء الشافعية 1/ 297 ]
قلت - رحم الله والدي-:
"السلطان نور الدين": قال الذهبي في ترجمته من "السير" [20/ 532]: صاحب الشام، الملك العادل، نور الدين، ناصر أمير المؤمنين، تقي الملوك، ليث الإسلام، أبو القاسم محمود ابن الأتابك قسيم الدولة أبي سعيد زنكي ابن الأمير الكبير آقسنقر التركي...كان "نور الدين" حامل رايتي العدل والجهاد، قَلَّ أَن تَرَى العيونُ مثله، ...أظهر السُنَّة بحلب، وقَمَعَ الرافضة,...وكَسَر الفرنج مرات، ودَوَّخَهُم، وأَذَلَّهُم, وكان بطلا، شجاعا، وَافِر الهيبة، حَسَن الرمي، مَلِيحَ الشَّكْل، ذا تعبد وخوف ووَرَع، وكان يتَعَرَّضُ للشهادة... روى الحديث، وأسمعه بالإجازة، وكان من رآه شَاهَدَ من جَلَالِ السلطنة وهيبةِ الملك ما يَبْهَرُهُ، فإذا فَاوَضَهُ، رأى من لطافته وتواضعه ما يُحَيِّرُهُ... وقال الموفق عبد اللطيف: كان "نور الدين" لم يَنْشَفْ له لَبَدٌ من الجهاد، وكان يأكل من عمل يده، ينسخ تارة، ويعمل أغلافا تارة، ويلبس الصوف، ويلازم السجادة والمصحف، وكان حنفيا، يراعي مذهب الشافعي ومالك
رحم الله السلطان العادل "نور الدين" ونَوَّرَ ضريحه, فلقد كان وحيد دهره وفريد عصره بين ملوك زمانه عدلا وزهدا وورعا, وشجاعة وشهامة وكرامة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق