بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين, وعلى آله الطيبين الطاهرين , وصحبه البررة الأكرمين, أما بعد: فهذه سلسلة مباركة سميتها: فاكهة المجالس وتحفة المؤانس , أعرض فيها ما انتقيته واخترته لكم من فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أديية , اقتطفتها من بطون الكتب والتواريخ والطبقات والتراجم ,وسأعلق على بعضها بما فتح الله تعالى علي من زيادة تعريفات , وتوضيح مبهمات , وتفسير مجملات , وذكر طبعات الكتب المصنفات, لتكمل الفائدة والاستفادة, وستكون تعليقاتي باللون الأزرق, مفتتحة بقولي: قلت , والله تعالى المسؤول أن يحلها في قلوبكم وأنظاركم محل القبول والرضى , وأن يعينني على إكمالها وإتمامها , وأن يبارك فيها وينميها , وينفع بها كثيرا من عباده المؤمنين, آمين / كتبه أبو يعلى البيضاوي المغربي غفر الله ولوالديه

الخميس، 20 ديسمبر 2012

164- الملوك وعلماء السوء


قال العلامة المجتهد الشوكاني رحمه الله : 
من غَرِيب مَا أحكيه لَك من تَأَثُّرِ هَوَى الْمُلُوك والميل إِلَى مَا يُوَافق مَا يَنْفَقُ عِنْدهم وَاقعَةٌ مَعِي, مُشَاهدَةٌ لي, وَإِن كَانَت الوقائع فِي هَذَا الْبَاب لَا يَأْتِي عَلَيْهَا الْحصْر, وَهِي مودعةٌ بطُونَ الدفاترِ, مَعْرُوفَة عِنْد من لَهُ خبْرَة بأحوال من تقدم
وَذَلِكَ أَنه عَقَدَ خَليفَة الْعَصْر حفظه الله مَجْلِسا جمع فِيهِ وزراءه, وأكابر أولاده, وكثيرا من خواصه, وحضر هذا المجلس من أهل العلم ثلاثة, أنا أحدهم, وكان عَقَدَ هذا المجلسَ لطلب المشورة في فِتنة حدثت بسبب بعض الملوك, ووصول جيوشه إلى بعض الأقطار الإمامية, وتخاذل كثير من الرعايا, واضطرابهم, وارتجاف اليمن بأسره بذلك السبب, فأشرت إلى الخليفة بأن أعظم ما يتوصل به إلى دفع هذه النازلة هو العدل في الرعية, والإقتصار في المأخوذ منهم على ما ورد به الشرع, وعدم مجاوزته في شيء, وإخلاص النية في ذلك, وإشعار الرعية في جميع الأقطار, والعزم عليه على الاستمرار, فإن ذلك من الأسباب التي تدفع كل الدفع, وتنجع أبلغ النجع, فإن اضطراب الرعايا ورفع رؤوسهم إلى الواصلين ليس إلا لما يبلغهم من اقتصارهم على الحقوق الواجبة, وليس ذلك لرغبة في شئ آخر
فلما فرغت من أداء النصيحة انبرى أحد الرجلين الآخرين, وهو ممن حَظِيَ من العلم بنصيب وافر, ومن الشرف بمرتبة علية, ومن السن بنحو ثمانين سنة, وقال: إن الدولة لا تقوم بذلك, ولا تتم إلا بما جرت به العادة من الجبايات ونحوها, ثم أطال في هذا بما يتحير عنده السامع, ويشترك في العِلْمِ بمخالفَتِهِ للشريعة العالم والجاهل, والمقصر والكامل
وذكر أنه قد أخذ الجباية ونحوها من الرعية فلان وفلان, وعدد جماعة من أئمة العلم ممن لهم شهرة, وللناس فيهم اعتقاد, وهذا مع كونه عنادا للشريعة, وخلافا لما جاءت به, وجرأة على الله نصبا للخلاف بينه وبين من عصاه, وخالف ما شَرَعَهُ, هو أيضا مجازفة بَحْتَةٌ في الرواية عن الذين سماهم, بل هو محض الكذب, وإنما يُرْوَى على بعض المتأخرين, ممن لم يسمه ذلك القائل, وهذا البعض الذي يروى عنه ذلك إنما فعله أياما يسيرة, ثم طَوَى بِسَاطَهُ, وعَلِمَ أنه خِلاف ما شَرَعَهُ الله فتركه, وإنما حمله على ذلك رأي رآه, وتدبير دبره, ثم تبين له فساده
فانظر أرشدك الله ما مقدار ما قاله هذا القائل في ذلك الجمع الحافل, الذي شمل الإمام وجميع المباشرين للأعمال الدولية, والناظرين في أمر الرعية, ولم ينتفع هذا القائل بمقالته, لا من زيادة جاه ولا مال, بل غاية ما استفاده ونهاية ما وصل إليه اجتماع الألسن على ذمه, واستعظام الناس لما صدر منه
وهكذا جرت عادة الله في عباده, فإنه لا ينال من أراد الدنيا بالدين إلا وبالا, وخسرانا عاجلا أم آجلا, خصوصا من كان من الحاملين لحجة الله المأمورين بإبلاغها إلى العباد, فإن خيرهُ في الدنيا والآخرة مربوط بوقوفه على حدود الشريعة, فإن زاغ عنها زاغ عنه, وقد صرح الله سبحانه بما يفيد هذا في غير موضع من كتابه العزيز
فأنت أيها الحامل للعلم لا تزال بخير ما دمت قائما بالحجة, مرشدا إليها, ناشرا لها, غير مستبدل بها عرضا من أعراض الدنيا, أو مرضاة من أهلها

المصدر: [ أدب الطلب ومنتهى الأدب ص 56 ]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق