بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين, وعلى آله الطيبين الطاهرين , وصحبه البررة الأكرمين, أما بعد: فهذه سلسلة مباركة سميتها: فاكهة المجالس وتحفة المؤانس , أعرض فيها ما انتقيته واخترته لكم من فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أديية , اقتطفتها من بطون الكتب والتواريخ والطبقات والتراجم ,وسأعلق على بعضها بما فتح الله تعالى علي من زيادة تعريفات , وتوضيح مبهمات , وتفسير مجملات , وذكر طبعات الكتب المصنفات, لتكمل الفائدة والاستفادة, وستكون تعليقاتي باللون الأزرق, مفتتحة بقولي: قلت , والله تعالى المسؤول أن يحلها في قلوبكم وأنظاركم محل القبول والرضى , وأن يعينني على إكمالها وإتمامها , وأن يبارك فيها وينميها , وينفع بها كثيرا من عباده المؤمنين, آمين / كتبه أبو يعلى البيضاوي المغربي غفر الله ولوالديه

الثلاثاء، 18 ديسمبر 2012

160- الدعوة إلى الله بحكمة


[ قال الحافظ الضياء ]: سمعت أبا محمد مسعود بن أبي بكر المقدسي يقول: 
كنت بقرية - سماها- أُصَلِّي بهم، فرأيت شاباً حَسَن الشباب لا يُصَلِّي، فقلت لهم: ما لهذا لا يصلي؟ , فقالوا: هذا من أمراء التيامنة، قال: فاتفق أنني ذكرت له الصلاة, وحَرَّضْتُهُ عليها، فقال: أنا لا أَعْرِف، فقلت: أنا أُعَرِّفُكَ، وأمرتُه بالشهادةِ, والغسل ففعل، وجاء فصلى, ولم يقطعها بعد ذلك
قال: فتعجب أهل القرية من ذلك كثيراً، وقالوا لي: فهذا قد تزوج امرأة أخيه, ولم تقض العدة، إنما تركها بعد موت أخيه عشرة أيام، فسألته: فقال: نعم، فجئت إلى الشيخ الموفق فقال: يعتزلها حتى تقضي العدة، قال: ثم إن الشيخ الموفق سَأَل عني، وسأل الجماعة عن هذه المسألة, فكُلٌّ منا يقول: تحتاج إلى العدة، فقال الشيخ أبو عمر: إن كانت المرأة قد أسلمت مثله وقت إسلامه لم تحتج إلى عدة، وحكمها حكم المشركين, فقال الشيخ الموفق: هكذا هو الحكم، لأن هؤلاء القوم ليسوا بمسلمين, ولا أ هل كتاب، أو ما هذا معناه, فمضيت إلى القرية فسألته عن المرأة، فقال: إنها أسلمت وقت إسلامه، فقلت: لا حاجة إلى العدة.

المصدر: [ أحوال أبي عمر المقدسي للضياء المقدسي ص: 217 ]

قلت - رحم الله والدي-:
رحم الله الإمام أبا عمر المقدسي وجزاه خيرا, فبحسن دعوته وحكمته وتلطفه أنقد الله هذا الرجل وأهله من الهلاك والبوار, وساقه إلى الإسلام سوقا جميلا, وهكذا هم العلماء العاملون الراسخون, فهم أرحم الناس بالناس, وأرأف خلق الله بخلقه دعوة وإرشادا وتعليما, كما كان حال قدوتهم ومعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم 
والإمام أبو عمر المقدسي: هو الشيخ الصالح الزاهد العابد محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر بن عبد الله الجماعيلي, أخو الشيخ موفق الدين ابن قدامة صاحب "المغني"/ت607 هـ , ترجمته في ذيل طبقات الحنابلة [3 / 109], وقد ألف الحافظ الضياء المقدسي "جزءا" في أخباره وأحواله, طبع في دار الضياء طنطا 1424 بتحقيق عمرو بن عبد المنعم سليم

ولشيخ الإسلام العلامة الرباني محمد بن علي الشوكاني جواب عن حال قوم مثل حال هذا الرجل التيمي أنقله للفائدة, وهو من رسالته: "إرشاد السائل إلى دلائل المسائل" طبعت ضمن فتاويه المسماة بـ: "الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني"[ 9 /4492], قال رحمه الله: السؤال الثاني حاصله: ما حكم الأعراب، سكان البادية الذين لا يفعلون شيئًا من الشرعيات إلا مجرد التكلم بالشهادة، هل هم: كفار أم لا ؟ , وهل يجب على المسلمين غزوهم أم لا ؟
أقول: من كان تاركًا لأركان الإسلام، وجميع فرائضه، ورافضًا لما يجب عليه من ذلك من الأقوال والأفعال، ولم يكن لديه إلا مجرد التكلم بالشهادتين فلا شك ولا ريب أن هذا كافر شديد الكفر، حلال الدم والمال، فإنه قد ثبت بالأحاديث المتواترة أن عصمة الدماء والأموال إنما تكون بالقيام بأركان الإسلام، فالذي يجب على من يجاور هذا الكافر من المسلمين في المواطن والمساكن أن يدعوه إلى العمل بأحكام الإسلام، والقيام بما يجب عليه القيام به على التمام، ويبذل تعليمه ويلين له القول، ويسهل عليه الأمر، ويرغبه في الثواب، ويخوفه من العقاب، فإن قبل منه ورجع إليه وعول عليه وجب عليه أن يبذل نفسه لتعليمه، فإن ذلك من أهم الواجبات وآكدها، أو يوصله إلى من هو أعلم منه بأحكام الإسلام، وإن أصر ذلك الكافر على كفره وجب على من يبلغه أمره من المسلمين أن يقاتلوه حتى يعمل بأحكام الإسلام على التمام، فإن لم يعمل فهو حلال الدم والمال، حكمه حكم أهل الجاهلية.
وما أشبه الليلة بالبارحة! وقد أبان لنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قولاً وفعلاً ما نعتمده في قتال الكافرين، والآيات القرآنية، والأحاديث النبوية في هذا الشأن كثيرة جدًا, معلومة لكل فرد من أهل العلم، بل هذا الأمر هو الذي بعث الله - سبحانه -فيه رسله، وأنزل لأجله كتبه، والتطويل في شأنه والاشتغال بنقل برهانه من باب الإيضاح الواضح، وتبيين البين, وبالجملة فإذا صح الإصرار على الكفر فالدار دار حرب بلا شك ولا شبهة، والأحكام الأحكام، وقد اختلف المسلمون في غزو الكفار إلى ديارهم، هل يشترط فيه الإمام الأعظم أم لا ؟ والحق الحقيق بالقبول أن ذلك واجب على كل فرد من أفراد المسلمين، والآيات القرآنية والأحاديث النبوية مطلقة غير مقيدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق