بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين, وعلى آله الطيبين الطاهرين , وصحبه البررة الأكرمين, أما بعد: فهذه سلسلة مباركة سميتها: فاكهة المجالس وتحفة المؤانس , أعرض فيها ما انتقيته واخترته لكم من فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أديية , اقتطفتها من بطون الكتب والتواريخ والطبقات والتراجم ,وسأعلق على بعضها بما فتح الله تعالى علي من زيادة تعريفات , وتوضيح مبهمات , وتفسير مجملات , وذكر طبعات الكتب المصنفات, لتكمل الفائدة والاستفادة, وستكون تعليقاتي باللون الأزرق, مفتتحة بقولي: قلت , والله تعالى المسؤول أن يحلها في قلوبكم وأنظاركم محل القبول والرضى , وأن يعينني على إكمالها وإتمامها , وأن يبارك فيها وينميها , وينفع بها كثيرا من عباده المؤمنين, آمين / كتبه أبو يعلى البيضاوي المغربي غفر الله ولوالديه

الثلاثاء، 18 ديسمبر 2012

159- مما يُهون المصيبة


قال أبو الوفاء بن عقيل: مات ولدي عقيل, وكان قد تفقه وناظر, وجمع أدبا حسنا, فتَعَزَّيْتُ بقصة عمرو بن عبد ود الذي قتله علي عليه السلام, فقالت أمه ترثيه:

لو كان قاتل عمرو غير قاتله ... ما زلت أبكي عليه دائم الأبد
لكن قاتله من لا يُعابُ به ... من كان يُدعى أبوه بيضة البلد
فأسلاها وعزاها جلالة القاتل, والافتخار بأن ابنها مقتول له, فنظرت إلى أن القاتل ولدي المالك الحكيم, فهان القتل والمقتول لجلالة القاتل

المصدر : [ الثبات عند الممات ص 50] 

قلت - رحم الله والدي-:
رحم الله إمامنا ابن عقيل, وعظم الله له أجره على موت فلدة كبده, وقصة قتل عمرو بن عبد ود العامري أخرجها الحاكم في مستدركه [3 / 34/ 4329] حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: كان عمرو بن عبد ود ثالث قريش، وكان قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة، ولم يشهد أحدا، فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مشهده، فلما وقف هو وخيله قال له علي: يا عمرو, قد كنت تعاهد الله لقريش أن لا يدعو رجل إلى خلتين إلا قبلت منه أحدهما، فقال عمرو: أجل، فقال له علي رضي الله عنه: فإني أدعوك إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم والإسلام، فقال: لا حاجة لي في ذلك، قال: فإني أدعوك إلى البراز، قال: يا ابن أخي، لم ؟ , فوالله ما أحب أن أقتلك، فقال علي: لكني أحب أن أقتلك، فحمي عمرو, فاقتحم عن فرسه فعقره، ثم أقبل فجاء إلى علي، وقال: من يبارز؟ , فقام علي وهو مقنع في الحديد، فقال: أنا له يا نبي الله، فقال: إنه عمرو بن عبد ود, اجلس، فنادى عمرو: ألا رجل؟ , فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم, فمشى إليه علي رضي الله عنه وهو يقول:

لا تعجلن فقد أتاك ... مجيب صوتك غير عاجز
ذو نبهة وبصيرة ... والصدق منجى كل فائز
إني لأرجو أن أقيم ... عليك نائحة الجنائز
من ضربة نجلاء ... يبقى ذكرها عند الهزاهزفقال له عمرو: من أنت؟, قال: أنا علي, قال: ابن من؟, قال: ابن عبد مناف, أنا علي بن أبي طالب، فقال: عندك يا ابن أخي من أعمامك من هو أسن منك, فانصرف فإني أكره أن أهريق دمك، فقال علي: لكني والله ما أكره أن أهريق دمك، فغضب، فنزل فسل سيفه كأنه شعلة نار، ثم أقبل نحو علي مغضبا, واستقبله علي بدرقته, فضربه عمرو في الدرقة فقدها، وأثبت فيها السيف, وأصاب رأسه فشجه، وضربه علي رضي الله عنه على حبل العاتق، فسقط, وثار العجاج، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير، فعرف أن عليا قتله، فثم يقول علي رضي الله تعالى عنه:

أعلي يقتحم الفوارس هكذا ... عني وعنهم أخروا أصحابي
اليوم يمنعني الفرار حفيظتي ... ومصمم في الرأس ليس بنابي
إلا ابن عبد حين شد إليه ... وحلفت فاستمعوا من الكتاب
إني لأصدق من يهلل بالتقى ... رجلان يضربان كل ضراب
فصدرت حين تركته متجدلا ... كالجذع بين دكادك وروابي
وعففت عن أثوابه ولو أنني ... كنت المقطر يزن أثوابي
عبد الحجارة من سفاهة عقله ... وعبدت رب محمد بصوابثم أقبل علي رضي الله عنه نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه يتهلل، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: هلا أسلبته درعه فليس للعرب درعا خيرا منها، فقال: ضربته فاتقاني بسوءته, واستحييت ابن عمي أن استلبه, وخرجت خيله منهزمة حتى أقحمت من الخندق
وذكر القصة أيضا ابن عبد البر في الدرر [1 /174] وفيها عنده: فتنازلا وتجاولا، وثار النقع بينهما حتى حال دونهما، فما انجلى النقع حتى رؤي عَلِيٌ على صدر عمرو يقطع رأسه. فلما رأى أصحابه أنه قد قتله عَلِيٌّ اقتحموا بخيلهم الثغرة منهزمين هاربين، وقال علي -رضي الله عنه- في ذلك:

نصر الحجارة من سفاهة رأيه ... ونصرت دين محمد بضراب
لا تحسبن الله خاذل دينه ... ونبيه يا معشر الأحزاب
نازلته وتركته متجدلا ... كالجذع بين دكادك وروابي
وأخرج الحاكم أيضا رواية أخرى للشعر الذي رثي به, وجعله من قول أخته عمرة بنت عبد ود [3 / 35]: 

لو كان قاتل عمرو غير قاتله ... بكيته ما أقام الروح في جسدي
لكن قاتله من لا يعاب به ... وكان يدعى قديما بيضة البلد
ثم قال الحاكم بعد ذلك: قد ذكرت في مقتل عمرو بن عبد ود من الأحاديث المسندة ومعا، عن عروة بن الزبير، وموسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق بن يسار ما بلغني ليتقرر عند المنصف من أهل العلم، أن عمرو بن عبد ود لم يقتله، ولم نشترك في قتله غير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وإنما حملني على هذا الاستقصاء فيه قول من قال من الخوارج: إن محمد بن مسلمة أيضا ضربه ضربة، وأخذ بعض السلب، ووالله ما بلغنا هذا عن أحد من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، وكيف يجوز هذا وعلي رضي الله عنه يقول ما بلغنا: « أني ترفعت عن سلب ابن عمي فتركته», وهذا جوابه لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق