بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين, وعلى آله الطيبين الطاهرين , وصحبه البررة الأكرمين, أما بعد: فهذه سلسلة مباركة سميتها: فاكهة المجالس وتحفة المؤانس , أعرض فيها ما انتقيته واخترته لكم من فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أديية , اقتطفتها من بطون الكتب والتواريخ والطبقات والتراجم ,وسأعلق على بعضها بما فتح الله تعالى علي من زيادة تعريفات , وتوضيح مبهمات , وتفسير مجملات , وذكر طبعات الكتب المصنفات, لتكمل الفائدة والاستفادة, وستكون تعليقاتي باللون الأزرق, مفتتحة بقولي: قلت , والله تعالى المسؤول أن يحلها في قلوبكم وأنظاركم محل القبول والرضى , وأن يعينني على إكمالها وإتمامها , وأن يبارك فيها وينميها , وينفع بها كثيرا من عباده المؤمنين, آمين / كتبه أبو يعلى البيضاوي المغربي غفر الله ولوالديه

الثلاثاء، 18 ديسمبر 2012

157- الشعر وحلاوة الإيمان


عن السري بن إسماعيل, عن الصدار بن حريث, قال:
قُرِئَ علينا كِتاب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص: أما بعد؛ فاجمع من قِبَلك من الشعراء, فسَلْهُم ماذا فَقَدُوا من شعرهم؟ , وما بقي منه؟, فجمعهم سعدٌ, فسألهم عن ذلك, فكُلُّهُم زعم أنه أغزر ما كان شعراً, وأَقْدره عليه, إلا لبيدٌ, فإنه حَلف بالذي هداهُ إلى الإسلام, ما قَدِرْتُ على أن أقولَ بيتاً واحداً منذ أسلمتُ, فكتب بذلك إلى عمر؛ فكتب إليه عمر: قد فهمتُ ما ذكرتَ, وإنه لم يدخل قلبَ رجلٍ منهم الإيمانُ كدخوله قلبَ لبيد, فاعرِفُوا له حَقَّ الإسلامِ وكرامته, والسلام.
فلما كان بعد, لقيه عمر فقال: يا لبيد, ما فعَلَت:

عفت الديار محلها فمقامها ... تأبد غولها فرجامها
قال: أبدلني الله بها -يا أمير المؤمنين- خيراً منها, قال: ماذا؟ , قال: سورة البقرة, قال: صدقت -والله – بها

المصدر: [منتخب من كتاب الشعراء لأبي نعيم الأصبهاني ص: 2]

قلت - رحم الله والدي-:
لبيد بن ربيعة العامري أبو عقيل الشاعر، صاحب المعلقة الشهيرة, صحابي جليل, ترجم له ابن عبد البر في "الاستيعاب"[3/ 1335] فقال: قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة وفد قومه بنو جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، فأسلم وحَسُن إسلامه, 
وقصته مع عمر رضي الله عنه أخرجها أيضا ابن سعد في طبقاته [القسم متمم الصحابة الطبقة الرابعة 1/ 592 /ح 271] بلفظ آخر, وجعل الأمير" المغيرة" لا "سعدا" رضي الله عنهما, فقال: أخبرنا نصر بن ثابت قال: حدثنا داود بن أبي هند , عن الشعبي قال: 
كتب عمر بن الخطاب إلى المغيرة بن شعبة, وهو عامله على الكوفة: أن ادع من قبلك من الشعراء , فاستنشدهم ما قالوا من الشعر في الجاهلية والإسلام, ثم اكتب بذلك إلي, فدعاهم المغيرة، فقال للبيد بن ربيعة: أنشدني ما قلت من الشعر في الجاهلية والإسلام، قال: قد أبدلني الله بذلك سورة البقرة، وسورة آل عمران، وقال للأغلب العجلي: أنشدني، فقال: أَرَجَزاً تُرِيدُ أم قصيدا ؟, لقد سألت هينا موجودا, قال: فكتب بذلك المغيرة إلى عمر، فكتب إليه عمر: أن انْقُص الأغلبَ خمس مائة من عطائه, وزدها في عطاء لبيد، فرحل إليه الأغلب، فقال: أتنقصني أن أطعتك؟, قال: فكتب عمر إلى المغيرة: أن رُدَّ على الأغلبِ الخمس مائة التي نقصته، وأَقْرِرْها زيادة في عطاء لبيد بن ربيعة 
وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب" [3 /1337]: قال له عمر بن الخطاب يوما: يا أبا عقيل، أنشدني شيئا من شعرك, فقال: ما كنت لأقول شعرا بعد أن علمني الله البقرة وآل عمران، فزاده عمر في عطائه خمسمائة، وكان ألفين، فلما كان في زمن معاوية قال له معاوية: هذان الفودان, فما بال العلاوة؟, يعني بالفودين الألفين, وبالعلاوة الخمسمائة, وأراد أن يَحُطَّهَا، فقال: أموت الآن، فتبقى لك العلاوة والفودان, فرق له، وترك عطاءه على حاله، فمات بعد ذلك بيسير.
وقال أيضا: قد قال أكثر أهل الأخبار: أن لبيدا لم يقل شعرا منذ أسلم, وقال بعضهم: لم يقل في الإسلام إلا قوله:

الحمد لله إذ لم يأتني أجلي ... حتى اكتسيت من الإسلام سربالا
وقد قيل: إن هذا البيت لقردة بن نفاثة السلولي، وهو أصح عندي، وقال غيره: بل البيت الذي قاله في الإسلام, قوله:

ما عاتب المرء الكريم كنفسه ... والمرء يصلحه القرين الصالح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق