بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين, وعلى آله الطيبين الطاهرين , وصحبه البررة الأكرمين, أما بعد: فهذه سلسلة مباركة سميتها: فاكهة المجالس وتحفة المؤانس , أعرض فيها ما انتقيته واخترته لكم من فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أديية , اقتطفتها من بطون الكتب والتواريخ والطبقات والتراجم ,وسأعلق على بعضها بما فتح الله تعالى علي من زيادة تعريفات , وتوضيح مبهمات , وتفسير مجملات , وذكر طبعات الكتب المصنفات, لتكمل الفائدة والاستفادة, وستكون تعليقاتي باللون الأزرق, مفتتحة بقولي: قلت , والله تعالى المسؤول أن يحلها في قلوبكم وأنظاركم محل القبول والرضى , وأن يعينني على إكمالها وإتمامها , وأن يبارك فيها وينميها , وينفع بها كثيرا من عباده المؤمنين, آمين / كتبه أبو يعلى البيضاوي المغربي غفر الله ولوالديه

الأحد، 28 أكتوبر 2012

76- حكاية عجيبة

محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري الكعبي البغدادي البصري البزاز الفرضي، القاضي أبو بكر بن أبي طاهر، ويعرف بـ: قاضي المارستان.[ 442 / 535 هـ ]
أنبئت عن يوسف بن خليل الحافظ قال: أخبرنا الشيخ الصالح أبو القاسم عبد الله بن أبي الفوارس محمد بن علي بن حسن الخزاز الصوفي البغدادي ببغداد قال: سمعت القاضي أبا بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد البزاز الأنصاري يقول: 
كنت مجاورا بمكة - حرسها الله تعالى - فأصابني يوما من الأيام جوع شديد, لم أجد شيئا أدفع به عني الجوع، فوجدت كيسا من إبريسم, مشدودا بشرابة من إبريسم أيضا, فأخذته وجئت به إلى بيتي، فحللته فوجدت فيه عقدا من لؤلؤ لم أر مثله، فخرجت فإذا الشيخ ينادي عليه، ومعه خرقة فيها خمسمائة دينار, وهو يقول: هذا لمن يرد علينا الكيس الذي فيه اللؤلؤ، فقلت: أنا محتاج، وأنا جائع، فآخذ هذا الذهب فأنتفع به، وأرد عليه الكيس، فقلت له: تعال إلي، فأخذته وجئت به إلى بيتي، فأعطاني علامة الكيس، وعلامة الشرابة، وعلامة اللؤلؤ وعدده، والخيط الذي هو مشدود به، فأخرجته ودفعته إليه, فسلم إلي خمسمائة دينار، فما أخذتها، وقلت: يجب علي أن أعيده إليك, ولا آخذ له جزاء، فقال لي: لا بد أن تأخذ, وألح علي كثيرا، فلم أقبل ذلك منه، فتركني ومضى.
وأما ما كان مني: فإني خرجت من مكة وركبت البحر، فانكسر المركب وغرق الناس، وهلكت أموالهم، وسلمت أنا على قطعة من المركب، فبقيت مدة في البحر لا أدري أين أذهب، فوصلت إلى جزيرة فيها قوم، فقعدت في بعض المساجد، فسمعوني أقرأ، فلم يبق في تلك الجزيرة أحد إلا جاء إلي, وقال: علمني القرآن, فحصل لي من أولئك القوم شيء كثير من المال, قال: ثم إني رأيت في ذلك المسجد أوراقا من مصحف، فأخذتها أقرأ فيها, فقالوا لي: تحسن تكتب؟, فقلت: نعم، فقالوا: علمنا الخط، فجاءوا بأولادهم من الصبيان والشباب، فكنت أعلمهم، فحصل لي أيضا من ذلك شيء كثير, فقالوا لي بعد ذلك: عندنا صبية يتيمة، ولها شيء من الدنيا نريد أن تتزوج بها، فامتنعت، فقالوا: لا بل، وألزموني، فأجبتهم إلى ذلك, فلما زفوها إلي مددت عيني أنظر إليها، فوجدت ذلك العقد بعينه معلقا في عنقها، فما كان لي حينئذ شغل إلا النظر إليه, فقالوا: يا شيخ، كسرت قلب هذه اليتيمة من نظرك إلى هذا العقد، ولم تنظر إليها، فقصصت عليهم قصة العقد, فصاحوا وصرخوا بالتهليل والتكبير، حتى بلغ إلى جميع أهل الجزيرة، فقلت: ما بكم, فقالوا: ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد أبو هذه الصبية، وكان يقول: ما وجدت في الدنيا مسلما إلا هذا الذي رد علي هذا العقد، وكان يدعو ويقول: اللهم أجمع بيني وبينه حتى أزوجه بابنتي، والآن قد حصلت، فبقيت معها مدة ورزقت منها بولدين, ثم إنها ماتت فورثت العقد أنا وولداي، ثم مات الولدان, فحصل العقد لي فبعته بمائة ألف دينار, وهذا المال الذي ترون معي من بقايا ذلك المال

المصدر : [ ذيل طبقات الحنابلة 1/ 444]

قلت - رحم الله والدي- :
قال الحافظ ابن رجب : هكذا ساق هذه الحكاية يوسف بن خليل الحافظ في معجمه, وساقها ابن النجار في تاريخه، وقال: هي حكاية عجيبة, وأظن القاضي حكاها عن غيره, وقد ذكرها أبو المظفر سبط بن الجوزي في تاريخه في ترجمة أبي الوفاء بن عقيل, وذكر عن ابن عقيل: أنه حكى عن نفسه: أنه حج، فالتقط العقد ورده بالموسم، ولم يأخذ ما بذل له من الدنانير، ثم قدم الشام، وزار بيت المقدس، ثم رجع إلى دمشق، واجتاز بحلب في رجوعه إلى بغداد، وأن تزوجه بالبنت كان بحلب. ولكن أبا المظفر ليس بحجة فيما ينقله، ولم يذكر للحكاية إسنادا متصلا إلى ابن عقيل، ولا عزاها إلى كتاب معروف، ولا يعلم قدوم ابن عقيل إلى الشام، فنسبتها إلى القاضي أبي بكر الأنصاري أنسب. والله أعلم.
وقد تضمنت هذه القصة: أنه لا يجوز قبول الهدية على رد الأمانات, لأنه يجب عليه ردها بغير عوض، وهذا إذا كان لم يلتقطها بنية أخذ الجعل المشروط, وقد نص أحمد رضي الله عنه على مثل ذلك في الوديعة، وأنه لا يجوز لمن ردها إلى صاحبها قبول هديته إلا بنية المكافأة.اهـ
وقد تقدمت القصة بصيغة أخرى محكية عن العلامة ابن عقيل [ا لفائدة 72 ]
توضيح وبيان: ترجمة قاضي المارستان في ذيل طبقات الحنابلة 1/434. سير أعلام النبلاء 20/23 ، شذرات الذهب 4 /108 , وله أحاديث الشيوخ الثقات الشهير بالمشيخة الكبرى, طبع بدراسة وتحقيق الشريف حاتم العوني, في دار عالم الفوائد 1422هـ في ثلاثة مجلدات/ رابط تحميله
وابن خليل هو الحافظ المفيد الرحال الإمام مسند الشام شمس الدين أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي الأدمي, محدث حلب, ولد سنة 555هـ, واشتغل بالحديث وله ثلاثون, وتخرج بالحافظ عبد الغني وشيوخه نحو خمسمائة نفس


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق