[ حديث ابن عمر: خُذْهُ، وَمَا جَاءَك من هَذَا المَال وَأَنت غير مشرف لَهُ, وَلَا سَائل فَخذه، وما لا فَلَا تتبعه نَفسك ]
قال ابن الجوزي:
رُبمَا تعلق بِهَذَا الحَدِيث جهال المتزهدين فِي قعودهم على الْفتُوح, وَلَا حجَّة لَهُم فِي ذَلِك؛ لِأَن قعُود أحدهم فِي رِبَاط مَعْرُوف تَهَيُؤٌ للقبول، وَمَدُّ كَفِّ الطّلبِ، فَهُوَ كمن يفتح حانوتا يُقْصَد، ثمَّ كَونه يَنْوِي الْقبُول لما يزِيد على استشراف النَّفس؛ لِأَن الاستشراف تَطَلُّعٌ مَا، وَهَذَا عازمٌ على الْقبُول قطعا.
ثمَّ لابد من النّظر فِي حَال الْآخِذ والمأخوذ مِنْهُ، فَإِن كَانَ الْمَأْخُوذ زَكَاة أَو صَدَقَة والآخذ يَسْتَحِقهَا جَازَ لَهُ، وَإِن كَانَ غير مُسْتَحقّ، مثل أَن يكون قَادِرًا على الْكسْب، أَو عِنْده مَا يَكْفِيهِ، فقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ، وَلَا لذِي مرّة سوي".
وَإِن كَانَ هَدِيَّة نظر الْآخِذ فِي حَال نَفسه, هَل يخَاف أَن يكون قبُوله إِيَّاهَا سَببا لمداهنة الْمَأْخُوذ مِنْهُ، أَو لتَعلق قلبه بِهِ، واستشراف نَفسه طَمَعا فِي تكْرَار الْعَطاء أَو لمنته عَلَيْهِ، أَو كَسبه غير طيب.
فَمن خَافَ شَيْئا من هَذِه الْأَشْيَاء لم يقبل، وَقد كَانَ السّلف ينظرُونَ فِي هَذِه الدقائق، فَيَقِلُّ قبولهم للعطايا، ثمَّ جَاءَ أَقوام يدعونَ التزهد، وَإِنَّمَا مُرَادهم الرَّاحَة وإيثار البطالة، وَلَا يبالون أخذُوا من ظَالِم أَو مكاس.
المصدر : [ كشف المشكل من حديث الصحيحين 1/ 51 ]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق