بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين, وعلى آله الطيبين الطاهرين , وصحبه البررة الأكرمين, أما بعد: فهذه سلسلة مباركة سميتها: فاكهة المجالس وتحفة المؤانس , أعرض فيها ما انتقيته واخترته لكم من فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أديية , اقتطفتها من بطون الكتب والتواريخ والطبقات والتراجم ,وسأعلق على بعضها بما فتح الله تعالى علي من زيادة تعريفات , وتوضيح مبهمات , وتفسير مجملات , وذكر طبعات الكتب المصنفات, لتكمل الفائدة والاستفادة, وستكون تعليقاتي باللون الأزرق, مفتتحة بقولي: قلت , والله تعالى المسؤول أن يحلها في قلوبكم وأنظاركم محل القبول والرضى , وأن يعينني على إكمالها وإتمامها , وأن يبارك فيها وينميها , وينفع بها كثيرا من عباده المؤمنين, آمين / كتبه أبو يعلى البيضاوي المغربي غفر الله ولوالديه

الأحد، 21 أكتوبر 2012

58- موعظة وزير

المعمر بن علي بن المعمر بن أبي عمامة البقال البغدادي، ،الفقيه الواعظ. ريحانة البغداديين [ت 506 هـ ] , له كلمات في الوعظ حسنة، ورسائل مستحسنة. وجمهور وعظه حكايات السلف. وكان يحصل بوعظه نفع كثير

وعظ " نظام الملك " الوزير مرة بجامع المهدي، فقال: الحمدُ لله ولي الإنعام، وصلى الله على من هو للأنبياء ختام، وعلى آله سُرج الظلام، وعلى أصحابه الغر الكرام, والسلام على صدر الإسلام, ورَضِيّ الإمام. زَينه اللهُ بالتقوى، وختم له بالحسنى، وجمع له بين خير الآخرة والدنيا.
معلوم يا صدر الإسلام، أن آحاد الرعية من الأعيان مخيَّرون في القاصد والوافد: إن شاءوا وَصَلُوا، وإن شاءوا فَصَلُوا، وَأَما من تَوَشَّحَ بولاية فليس مخيرا في القاصد والوافد, لأن من هو على الخليقة أَمير، فهو في الحقيقة أجير، قد باع زمنه, وأخذ ثمنه, فلم يبق له من نهاره, ما يتصرف فيه على اختياره، ولا له أن يصلي نفلا، ولا يدخل مُعتَكَفا، دون الصدد لتدبيرهم، والنظر في أمورهم، لأن ذلك فضل، وهذا فرض لازم.
وأنتَ يا صدر الإسلام، وإن كنت وزير الدولة، فأنت أجيرُ الأمة، استأجرك جلالُ الدولة بالأجرة الوافرة, لتنوب عنه في الدنيا والآخرة، فأما في الدنيا: ففي مصالح المسلمين. وأمَّا في الآخرة: فلتجيب عنه رب العالمين, فإنه سيقفه بين يديه، فيقول له: ملَّكتُكَ البلاد، وقلدتك أزمة العباد, فما صنعتَ في إفاضة البذل، وإقامة العدل؟ , فلعله يقول: يا رب اخترتُ من دولتي شجاعا عاقلا، حازما فاضلا، وسمَّيتُهُ: قِوامَ الدين, ونِظامَ المُلْك، وها هو قائم في جملة الولاة, وبسطت بيده في الشرط والسيف والقلم، ومكنته في الدينار والدرِهم، فاسأله يا رب: ماذا صنع في عبادك وبلادك؟
أفتحسن أن تقولَ في الجواب: نعم , تقلدتُ أمور البلاد, وملكت أزمة العباد, وبثثت النوال، وأعطيت الإفضال، حتى إذا قربت من لقائك، ودنوت من تلقائك، اتخذت الأبواب والبواب، والحِجاب والحجاب, ليصُدُّوا عني القاصد، ويردُّوا عني الوافد؟.
فأَعْمِر قبرك ,كما عَمَّرتَ قصرك، وانتهز الفرصة ما دام الدهر يقبل أمرك، فلا تعتذر، فما ثمَّ من يقبل عذرك.
وهذا ملك الهند, وهو عابد صنم, ذهبَ سمعُه، فدخل عليه أهل مملكته يُعَزُّونه في سمعه، فقال: ما حسرتي لذهاب هذه الجارحة من بدني، ولكن تأسفي لصوت المظلوم لا أسمعه فأغيثه، ثم قَالَ: إن كان قد ذهب سمعي فما ذهب بصري, فليؤمر كل ذي ظلامة أن يلبس الأحمر، حتى إذا رأيتُه عرفتُه فأنصفته.
وهذا " أنوشروان " قَالَ له رسول ملك الروم: لقد أقدرتَ عدوَّك عليك بتسهيل الوصول إليك. فقال: إنما أجلس هذا المجلس لأكشف ظُلاَمَةً , وأقضي حاجة.
وأنتَ يا صدر الإسلام، أحق بهذه المأثرة، وأولى بهذه وأحرى, فَأَعِدَّ جوابا لتلك المسألة، فإنَه " اللهُ الذي تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَرْنَ مِنْه " مريم: 90 في موقفٍ ما فيه إلا خاشِعٌ، أو خاضِعُ, أو مُقَنعٌ، ينخلع فيه القلب، ويحكم فيه الرَّبُ، ويَعظُمُ فيه الكَربُ، ويشيبُ فيه الصغيرُ، ويعزل فيه الملك والوزيرُ، يوم " يتَذكَّرُ الإنْسَانُ، وَأنَّى لَهُ الذِّكْرَى " الفجر: 23، " يَوْمَ تَجِدُ كُلّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِن خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدّ لَوْ أنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا " آل عمران: 30.
وقد استجلبتُ لك الدعاء، وخَلَّدْتُ لك الثناءَ، مع براءتي من التُّهْمَة, فليس لي - بحمدالله تعالى - في أرضِ الله ضَيعةٌ ولا قَرية، ولا بيني وبين أحد خصُومة، ولا بِي - بحمد الله تعالى - فَقرٌ ولا فَاقة.
فلما سمع " نظامُ الملك " هذه الموعظة بكى بكاءً شديدًا، وأمر له بمائة دينار, فأبى أن يأخذها، وقال: أنا في ضيافةِ أمير المؤمنين, ومن يكن في ضيافة أمير المؤمنين يَقبُحُ عليه أن يأخذ عَطاءَ غيرِهِ, فقال له: فُضَّها على الفقراء، فقال: الفقراءُ على بَابِك أكثرُ مِنْهُمْ على بَابِي، ولم يأخذ شيئًا.


المصدر : [ ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 1/ 249 ]
قلت – رحم الله والدي -:
جلال الدولة لقب: مَلِكْ شَاه أبو الفتح بن أبي شجاع محمد ألب أرسلان ابن داود بن ميكائيل بن سلجوق [ت 485هـ ], وقد ذكر ابن الجوزي في المنتظم 16 / 311 , قصة لجلال الدولة تشبه من وجه ما ذكره عنه الواعظ , قال:
ذكر هبة الله بن المبارك بن يوسف السقطى في تاريخه قَالَ: حدثني عبد السميع بن داود العباسي قَالَ: قصد مَلِكْ شَاه رجلان من أهل البلاد السفلي, من أرض العراق, يعرفان: بابنَيْ غزال، من قرية تعرف بالحدادية، فتعلقا بركابه, وقالا: نحن من أسفل واسط من قرية تعرف بالحدادية، مقطعة لخمارتكين الحلبي، صادرنا على ألف وستمائة دينار، وكسر ثنيتي أحدنا, والثنيتان بيده ، وقد قصدناك أيها الملك لتقتص لنا منه، فقد شاع من عدلك ما حملنا على قصدك، فإن أخذت بحقنا كما أوجب الله عليك, وإلا فاللَّه الحاكم بالعدل بيننا, وفسر على السلطان ما قالاه.
قَالَ عبد السميع: فشاهدت السلطان وقد نزل عن فرسه, وقال: ليمسك كل واحد منكما بطرف كمي, واسحباني إلى دار حسن هو نظام الملك فأفزعهما ذلك، ولم يقدما عليه، فأقسم عليهما إلا فعلا، فأخذ كل واحد منهما بطرف كمه, وسارا به إلى باب النظام ، فبلغه الخبر، فخرج مسرعا, وقبل الأرض بين يديه , وقال: أيها السلطان المعظم، ما حملك على هذا؟ , فقال: كيف يكون حالي غدا بين يدي الله إذا طولبت بحقوق المسلمين , وقد قلدتك هذا الأمر لتكفيني مثل هذا الموقف، فإن تطرق على الرعية ثَلْمٌ لم يتطرق إلا بك, وأنت المطالب، فانظر بين يديك، فقبل الأرض, وسار في خدمته، وعاد من وقته، فكتب بعزل خمارتكين, و حَلِّ إقطاعه، ورَدِّ المالِ إليها وقَلْعِ ثنيتيه إن ثبت عليه البينة، ووصلهما بمائة دينار، وعادا من وقتهما.اهـ

- من الكتب المصنفة في وعظ الخلفاء والملوك :
1- مواعظ الخلفاء للحافظ أبي بكر بن أبي الدنيا القرشي
2- والخطب والمواعظ لأبي عبيد القاسم بن سلام ، طبع في مكتبة الثقافة الدينية ، القاهرة تحقيق رمضان عبد التواب / رابط تحميله
3- والشفاء في مواعظ الملوك و الخلفاء لأبي الفرج ابن الجوزي البغدادي, طبع في دار الدعوة الاسكندرية تحقيق فؤاد عبدالمنعم أحمد / رابط تحميل غلاف وفهرس الكتاب
4- سراج الملوك لأبي بكر محمد بن الوليد الطرطوشى المالكي /ت 520هـ, طبع في المطبعة الأميرية بولاق 1289 هـ/ رابط تحميله
5- النصح في الدين و مآرب القاصدين في مواعظ الملوك و السلاطين لمحمد بن ابي بكر الموصلي/ رابط تحميله مخطوطا

بيان وتوضيح : النظام هو الوزير الكبير نِظام الملك الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي/ت 485 هـ, والثنية من الأسنان, جمعها ثنايا وثنيات , وفي الفم أربع, و الثلمة في الحائط وغيره الخلل, والجمع ثلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق