بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين, وعلى آله الطيبين الطاهرين , وصحبه البررة الأكرمين, أما بعد: فهذه سلسلة مباركة سميتها: فاكهة المجالس وتحفة المؤانس , أعرض فيها ما انتقيته واخترته لكم من فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أديية , اقتطفتها من بطون الكتب والتواريخ والطبقات والتراجم ,وسأعلق على بعضها بما فتح الله تعالى علي من زيادة تعريفات , وتوضيح مبهمات , وتفسير مجملات , وذكر طبعات الكتب المصنفات, لتكمل الفائدة والاستفادة, وستكون تعليقاتي باللون الأزرق, مفتتحة بقولي: قلت , والله تعالى المسؤول أن يحلها في قلوبكم وأنظاركم محل القبول والرضى , وأن يعينني على إكمالها وإتمامها , وأن يبارك فيها وينميها , وينفع بها كثيرا من عباده المؤمنين, آمين / كتبه أبو يعلى البيضاوي المغربي غفر الله ولوالديه

الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

29 - لفظ الجلالة

الجلالة عَلَمٌ على ذاته تعالى, وهو أعرف المعارف 

وحكى ابن جني : أن سيبويه رُئِيَ بعد موته فقيل له: ما فعل الله بك ؟ فقال: خيرا، وذكر كرامة عظيمة، فقيل له: بم؟ فقال: لقولي: إن اسم الله أعرف المعارف 
وهو اسم جامع لمعاني الأسماء الحسنى كلها , وما سواه خاص بمعنى , فلذا يضاف الله لجميع الأسماء، فيقال: الرحمن من أسماء الله تعالى , وكذا الباقي ولا يضاف هو إلى شيء
وقيل: إنه الاسم الأعظم , وبه وقع الإعجاز , حيث لم يتسم به أحد , ولا يصح الدخول في الإسلام إلا به , وتكرر في القرآن ألفي مرة وخمسمائة وستين مرة , وقيل: ألفي مرة وثلاثمائة وستين، واختلف فيه هل هو مشتق أو مرتجل؟ , وعلى الأول فقيل: من أله يأله كعلم يعلم إذا تحير؛ لأن العقول تتحير في عظمته , وقيل غير ذلك

المصدر: [ مواهب الجليل في شرح مختصر خليل 1 / 11 ]  

قلت -رحم الله والدي-  :

حقق القول في ذلك الإمام ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد (1 / 22) فقال : فائدة: اسم الله والاشتقاق , زعم أبو القاسم السهيلي وشيخه ابن العربي: أن اسم الله غير مشتق , لأن الاشتقاق يستلزم مادة يشتق منها , واسمه تعالى قديم , والقديم لا مادة له , فيستحيل الإشتقاق , ولا ريب أنه إن أريد بالاشتقاق هذا المعنى وأنه مستمد من أصل آخر فهو باطل , ولكن الذين قالوا بالاشتقاق لم يريدوا هذا المعنى , ولا أَلَمَّ بقلوبهم , وإنما أرادوا أنه دال على صفة له تعالى , وهي الإلهية , كسائر أسمائه الحسنى ,كالعليم والقدير والغفور والرحيم والسميع والبصير , فإن هذه الأسماء مشتقة من مصادرها بلا ريب , وهي قديمة , والقديم لا مادة له , فما كان جوابكم عن هذه الأسماء فهو جواب القائلين باشتقاق اسم الله , ثم الجواب عن الجميع أننا لا نعني بالإشتقاق إلا أنها ملاقية لمصادرها في اللفظ والمعنى , لا أنها متولدة منها تولد الفرع من أصله , وتسمية النحاة للمصدر والمشتق منه أصلا وفرعا ليس معناه أن أحدهما تولد من الآخر , وإنما هو باعتبار أن أحدهما يتضمن الآخر وزيادة , وقول سيبويه إن الفعل أمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء هو بهذا الإعتبار , لا أن العرب تكلموا بالأسماء أولا ثم اشتقوا منها الأفعال , فإن التخاطب بالأفعال ضروري كالتخاطب بالأسماء , لا فرق بينهما , فالإشتقاق هنا ليس هو اشتقاق مادي , وإنما هو اشتقاق تلازم , سمي المتضمِن بالكسر مشتقا , والمتضمَن بالفتح مشتقا منه , ولا محذور في اشتقاق أسماء الله تعالى بهذا المعنى. انتهى

وقول السهيلي رحمه الله هو في كتابه [ نتائج الفكر في النحو ص: 41] ونصه : مسألة: وهي القول في الاسم الذي هو عبارة في الله عز وجل, قد تكلم الناس فيه قديماً وحديثاً، تكلموا في " الألف واللام " أهي للتعريف أم للتعظيم أم هي دالة على معنى آخر؟ أم هي (من) نفس الكلمة؟, وتكلموا في اشتقاقه أهو مشتق أم لا؟ , وإذا كان مشتقاً فمن أي شيء اشتق؟ , وكثر في ذلك نزاعهم وتباينت أقوالهم.
والذي نشير إليه من ذلك ونؤثره ما أختاره شيخنا - رضي الله عنه – وهو الإمام أبو بكر محمد بن العربي، قال: الذي اختاره من تلك الأقوال كلها هذا: أن الاسم غير مشتق من شيء، وأن الألف واللام من نفس الكلمة، إلا أن الهمزة وصلت لكثرة الاستعمال، على أنها (فيه) جاءت مقطوعة من القسم، (حكى سيبويه) : " أفالله لأفعلن "، وفي النداء نحو قولهم: " يا لله ", فهذا يقوي أنها من: نفس الكلمة ويدلك على أنه غير مشتق أنه سبق الأشياء التي زعموا أنه مشتق منها، لا نقول: إن اللفظ قديم، ولكنه متقدم على كل لفظ وعبارة, ويشهد بصحة ذلك قوله عزوجل: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) ؟ فهذا نص في عدم المسمى، وتنبيه على عدم المادة المأخوذ منها الاسم, مع أنا إذا قلنا بالاشتقاق فيه تعارضت علينا الأقوال، فمن قائل يقول: من " إله " إذا عبد، فإله هو المعبود, ومن قائل يقول: من الوله، وهي الحيرة، يريد أن العقول, تحار في عظمته، وهمزة إله عند هؤلاء بدل من واو, ومن قائل يقول: إنه من " لاه " إذا علا, وسائر الأقوال قريبة من هذه، فإن لم تكن هي هي في الحقيقة، ولكل قول شاهد يطول ذكره، فإذا تعارضت الأقوال لم يكن بعضها أولى من بعض، فرجعنا الى القول الأول لما عضده من الدليل، والله الموفق إلى خير قيل . اهـ
وقول ابن العربي لم أجده في كتابيه: العارضة , وأحكام القرآن, ولعله في كتابه المخطوط : الأمد الأقصى بأسماء الله الحسنى وصفاته العلي, بل وجدته في الأحكام ذهب إلى خلاف ما نقل عنه , بل نقل اتفاق اللغويين على ذلك , ونصه 4/ 44: ما منها اسم إلا جميعه مشتق ، حتى إن أهل اللغة اتفقوا عن بكرة أبيهم على أن الله مشتق, وقد بيناه في الأمد. اهـ


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق