بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين, وعلى آله الطيبين الطاهرين , وصحبه البررة الأكرمين, أما بعد: فهذه سلسلة مباركة سميتها: فاكهة المجالس وتحفة المؤانس , أعرض فيها ما انتقيته واخترته لكم من فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أديية , اقتطفتها من بطون الكتب والتواريخ والطبقات والتراجم ,وسأعلق على بعضها بما فتح الله تعالى علي من زيادة تعريفات , وتوضيح مبهمات , وتفسير مجملات , وذكر طبعات الكتب المصنفات, لتكمل الفائدة والاستفادة, وستكون تعليقاتي باللون الأزرق, مفتتحة بقولي: قلت , والله تعالى المسؤول أن يحلها في قلوبكم وأنظاركم محل القبول والرضى , وأن يعينني على إكمالها وإتمامها , وأن يبارك فيها وينميها , وينفع بها كثيرا من عباده المؤمنين, آمين / كتبه أبو يعلى البيضاوي المغربي غفر الله ولوالديه

الأحد، 14 أكتوبر 2012

11- من أخبار ابن العلقمي الوزير الرافضي الخائن عليه من الله ما يستحق

محمد بن محمد بن علي أبو طالب, الوزير المدبر مؤيد الدين ابن العلقمي البغدادي الرافضي, وزير المستعصم 

ولي الوزارة أربع عشرة سنة فأظهر الرفض قليلا , وكان وزيرا كافيا خبيرا بتدبير الملك, ولم يزل ناصحا لأستاذه حتى وقع بينه وبين الدوادار لإنه كان يتغالى في السنة, وعضده ابن الخليفة, فحصل عنده من الضغن ما أوجب له أنه سعى في دمار الإسلام وخراب بغداد, على ما هو مشهور, لأنه ضعف جانبه وقويت شوكة الدوادار بحاشية الخليفة, حتى قال في شعره: [ الطويل ] 



وزير رضى من بأسه وانتقامه ... بطي رقاع حشوها النظم والنثر
كما تسجع الورقاء وهي حمامة ... وليس لها نهى يطاع ولا أمر

واخذ يكاتب التتار إلى أن جر هولاكو وجرأه على أخذ بغداد , وقرر مع هولاكو أمورا انعكست عليه , وندم حيث لا ينفعه الندم , وكان كثيرا ما يقول عند ذلك الكامل 

************* - وجرى القضاء بعكس ما أملته 

لأنه عومل بأنواع الهوان من أراذل التتار والمرتدة 
حكى أنه كان في الديوان جالسا فدخل بعض التتار ممن لا له وجاهة راكبا فرسه, فساق إلى أن وقف بفرسه على بساط الوزير , وخاطبه بما أراد , وبال الفرس على البساط وأصاب الرشاش ثياب الوزير , وهو صابر لهذا الهوان يظهر قوة النفس , وأنه بلغ مراده 
وقال له بعض أهل بغداد: يا مولانا أنت فعلت هذا جميعه , وحميت الشيعة حمية لهم , وقد قتل من الأشراف الفاطميين خلق لا يحصون , وارتكب من الفواحش مع نسائهم , وافتضت بناتهم الأبكار مما لا يعلمه إلا الله تعالى , فقال : بعد أن قتل الدوادار ومن كان على مثل رأيه لا مبالاة بذلك, ولم تطل مدته حتى مات غما وغبنا, في أوائل سنة سبع وخمسين وست مائة 
وحكى أنه لما كان يكاتب التتار تحيل مرة إلى أن أخذ رجلا وحلق رأسه حلقا بليغا, وكتب ما أراد عليه بوخز الأبر, كما يفعل بالوشم , ونفض عليه الكحل, وتركه عنده إلى أن طلع شعره, وغطى ما كتب, فجهزه وقال: إذا وصلت مرهم بحلق رأسك, ودعهم يقرأون ما فيه, وكان في آخر الكلام قطعوا الورقة, فضربت رقبته, وهذا غاية في المكر والخزي, والله أعلم 

المصدر : [ الوافي بالوفيات 1/ 152 ] 

قلت -رحم الله والدي -: 
قال الحافظ الذهبي رحمه الله في السير 23/ 361: كانت دولته أربع عشرة سنة، فأفشى الرفض، فعارضه السنة، وأكبت، فتنمر، ورأى أن هولاكو على قصد العراق، فكاتبه وجسره، وقوى عزمه على قصد العراق، ليتخذ عنده يدا، وليتمكن من أغراضه، وحفر للأمة قليبا، فأوقع فيه قريبا، وذاق الهوان، وبقي يركب كديشا وحده، بعد أن كانت ركبته تضاهي موكب سلطان، فمات غبنا وغما، وفي الآخرة أشد خزيا وأشد تنكيلا.
وكان أبو بكر ابن المستعصم والدويدار الصغير قد شَدَّا على أيدي السنة حتى نهب الكرخ، وتم على الشيعة بلاء عظيم، فحنق لذلك مؤيد الدين بالثأر بسيف التتار من السنة، بل ومن الشيعة واليهود والنصارى، وقتل الخليفة ونحو السبعين من أهل العقد والحل، وبذل السيف في بغداد تسعة وثلاثين نهارا حتى جرت سيول الدماء، وبقيت البلدة كأمس الذاهب - فإنا لله وإنا إليه راجعون - وعاش ابن العلقمي بعد الكائنة ثلاثة أشهر، وهلك

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية (13/ 192): العلقمي المشؤم على نفسه، وعلى أهل بغداد، الذي لم يعصم المستعصم في وزارته، فإنه لم يكن وزير صدق ولا مرضي الطريقة، فإنه هو الذي أعان على المسلمين في قضية هولاكو وجنوده قبحه الله وإياهم
وقال أيضا (13/ 235): كان الوزير ابن العلقمي قبل هذه الحادثة يجتهد في صرف الجيوش وإسقاط اسمهم من الديوان، فكانت العساكر في آخر أيام المستنصر قريبا من مائة ألف مقاتل، منهم من الأمراء من هو كالملوك الأكابر الأكاسر، فلم يزل يجتهد في تقليلهم إلى أن لم يبق سوى عشرة آلاف، ثم كاتب التتار وأطمعهم في أخذ البلاد، وسهل عليهم ذلك، وحكى لهم حقيقة الحال، وكشف لهم ضعف الرجال، وذلك كله طمعا منه أن يزيل السنة بالكلية، وأن يظهر البدعة الرافضة, وأن يقيم خليفة من الفاطميين، وأن يبيد العلماء والمفتيين، والله غالب على أمره، وقد رد كيده في نحره، وأذله بعد العزة القعساء، وجعله حوشكاشا للتتار بعد ما كان وزيرا للخلفاء، واكتسب إثم من قتل ببغداد من الرجال والنساء والأطفال، فالحكم لله العلي الكبير رب الأرض والسماء.
وقال أيضا: (13/ 236): أراد الوزير ابن العلقمي قبحه الله ولعنه أن يعطل المساجد والمدارس والربط ببغداد ويستمر بالمشاهد ومحال الرفض، وأن يبني للرافضة مدرسة هائلة ينشرون علمهم وعلمهم بها وعليها، فلم يقدره الله تعالى على ذلك، بل أزال نعمته عنه وقصف عمره بعد شهور يسيرة من هذه الحادثة، وأتبعه بولده فاجتمعا والله أعلم بالدرك الأسفل من النار 
وقال أيضا : (13/ 237): كان عنده فضيلة في الإنشاء, ولديه فضيلة في الأدب، ولكنه كان شيعيا جلدا, رافضيا خبيثا، فمات جهدا وغما وحزنا وندما، إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم، فولي بعده الوزارة ولده عز الدين بن الفضل محمد، فألحقه الله بأبيه في بقية هذا العام، ولله الحمد والمنة. 
وقال أيضا (13/ 246): قد حصل له من التعظيم والوجاهة في أيام المستعصم ما لم يحصل لغيره من الوزراء، ثم مالأ على الإسلام وأهله الكفار هولاكو خان، حتى فعل ما فعل بالإسلام وأهله مما تقدم ذكره، ثم حصل له بعد ذلك من الإهانة والذل على أيدي التتار الذين مالأهم وزال عنه ستر الله، وذاق الخزي في الحياة الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى 
وقد رأته امرأة وهو في الذل والهوان وهو راكب في أيام التتار برذونا وهو مرسم عليه، وسائق يسوق به ويضرب فرسه، فوقفت إلى جانبه وقالت له: يا بن العلقمي هكذا كان بنو العباس يعاملونك؟ , فوقعت كلمتها في قلبه وانقطع في داره إلى أن مات كمدا وغبينة وضيقا ، وقلة وذلة، في مستهل جمادى الآخرة من هذه السنة، وله من العمر ثلاث وستون سنة، ودفن في قبور الروافض، وقد سمع بأذنيه، ورأى بعينيه من الإهانة من التتار والمسلمين ما لا يحد ولا يوصف, وتولى بعده ولده الخبيث الوزارة، ثم أخذه الله أخذ القرى وهي ظالمة سريعا 

ترجمة هذا اللعين في : سير أعلام النبلاء 23/ 361 , الفخري في الآداب السلطانية: 236 - 237، جامع التواريخ لرشيد الدين فضل الله الهمداني المجلد 2 ج 1 ص 262 , دول الإسلام 2 / 122، العبر 5 / 225، الوافي بالوفيات: 1 / 184 - 186 الترجمة 114، فوات الوفيات: 3 / 252 - 255 الترجمة 415، البداية والنهاية: 13 / 212 ، شذرات الذهب: 5 / 272 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق