بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين, وعلى آله الطيبين الطاهرين , وصحبه البررة الأكرمين, أما بعد: فهذه سلسلة مباركة سميتها: فاكهة المجالس وتحفة المؤانس , أعرض فيها ما انتقيته واخترته لكم من فوائد ونكت علمية , وطرائف وأخبار أديية , اقتطفتها من بطون الكتب والتواريخ والطبقات والتراجم ,وسأعلق على بعضها بما فتح الله تعالى علي من زيادة تعريفات , وتوضيح مبهمات , وتفسير مجملات , وذكر طبعات الكتب المصنفات, لتكمل الفائدة والاستفادة, وستكون تعليقاتي باللون الأزرق, مفتتحة بقولي: قلت , والله تعالى المسؤول أن يحلها في قلوبكم وأنظاركم محل القبول والرضى , وأن يعينني على إكمالها وإتمامها , وأن يبارك فيها وينميها , وينفع بها كثيرا من عباده المؤمنين, آمين / كتبه أبو يعلى البيضاوي المغربي غفر الله ولوالديه

الأحد، 14 أكتوبر 2012

5- ترجمة فيلسوف

أبو نصر الفارابي محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ بالألف والواو الساكنة والزاي المفتوحة واللام المفتوحة والغين المعجمة أبو نصر التركي


الفارابي الحكيم فيلسوف الإسلام هكذا رأيت الشيخ الإمام الحافظ شمس الدين الذهبي قد أثبته أعني محمد بن محمد ومن خطه نقلت
ورأيت ابن خلكان قد قال: محمد بن طرخان قدم بغداد وأدرك بها متى ابن يونس الفيلسوف فأخذ عنه وسار إلى حران فلزم يوحنا ابن حبلان النصراني وأخذ عنه وأتقن ببغداد اللغة 
وقيل: أنه ما أخذ الفلسفة إلا من اللغة اليونانية لأنه كان بها وبغيرها من اللغات عارفا , وكان قد برع في الحكمة ومهر في الموسيقى 
ويقال أنه أول من وضع الآلة المعروفة بالقانون , وركبها هذا التركيب 
وذكر القاضي شمس الدين أحمد بن خلكان حكايته التي جرت له مع سيف الدولة ابن حمدان وأنه دخل عليه بزي الأتراك , وكان لا يفارقه , فقال له: اقعد فقال: حيث أنا أو حيث أنت؟, فقال: حيث أنت, فتخطى الناس حتى انتهى إلى مسند سيف الدولة وزحمه فيه حتى أخرجه عنه , وكان على رأس سيف الدولة مماليك له معهم لسان خاص يسارهم به, فقال لهم بذلك : اللسان هذا الشيخ أساء الأدب فأخرقوا به, فقال له أبو نصر بذلك اللسان: أن الأمور بعواقبها, فعجب سيف الدولة, وقال: أتحسن هذا اللسان ؟, فقال: أحسن أكثر من سبعين لسانا 
وأنه ناظر من كان في المجلس من أئمة كل فن فلم يزل كلامه يعلو وهم يستفلون إلى أن صمت الجميع 
فعرض عليه سيف الدولة بعد انصراف الفضلاء الأكل والشرب فامتنع , فقال له: ولا تسمع قال نعم, فأحضر القيان فلم يحرك أحد آلته إلا وعابه أبو نصر , ثم أخرج من وسطه خريطة , وأخرج منها عيدانا ركبها , ولعب بها فأضحك كل من في المجلس , ثم فكها وركبها غير ذلك التركيب الأول وحركها فأبكى كل من في المجلس, ثم فكها وركبها غير ذلك التركيب ولعب بها وحركها فأنامهم حتى البواب , وخرج 
قلت [ أي الصلاح الصفدي ] : وهذه الواقعة ممكنة من مثل أبي نصر , لأنه إذا غنى السامعين مثلا بما لابن حجاج من ذلك المجون الحلو في نغم فإن السامع يضحك , وإذا غنى بإشعار متيمي العرب والرقيق من فراقياتهم وحزنياتهم في نغم النوى وما أشبه ذلك فإن السامع يبكي , وكذا حاله إذا أراد أن يشجع أو أن يسمح , أو غير ذلك وكان كثير الإنفراد بنفسه, ولما قدم دمشق كان يلازم غياض السفرجل , وربما صنف هناك, وقد ينام فتحمل الريح تلك الأوراق وتنقلها من مكان إلى مكان 
وقيل: إن السبب في وجود بعض مصنفاته فيها نقص هو ذلك, لأن الريح ربما أطارت تلك الأوراق بعضها من بعض , وكان لا يصنف إلا في الرقاع, لا في الكراريس 
وكان أزهد الناس في الدنيا وأجرى عليه سيف الدولة في كل يوم أربعة دراهم, وتوجه من دمشق إلى مصر ثم عاد إليها 
وقيل: إنه لما عاد من حران أقام ببغداد وأكب على مصنفات أرسطو حتى مهر , وأتقن الحكمة 
يقال: أن نسخة وجدت لكتاب النفس لأرسطو وعليها بخط أبي نصر الفارابي: قرأت هذا الكتاب مائتي مرة, وكان يقول قرأت السماع الطبيعي لأرسطو أربعين مرة , وأنا محتاج إلى معاودته وسئل أأنت أعلم بهذا اللسان أم أرسطو؟, فقال: لو أدركته لكنت أكبر تلامذته 
وقال ابن صاعد القرطبي : بذ جميع الإسلام وأربى عليهم في تحقيق الفلسفة , وشرح غامضها وكشف سرها , وقرب تناولها , وهو صحيح العبارة لطيف الإشارة, نبه على ما أعيى على الكندي وغيره من صناعة التحليل وأنحاء التعاليم , وأوضح مواد المنطق الخمسة وأفاد وجوه الانتفاع بها , وعرف طرق استعمالها, وكيف تصرف صور القياس في كل مادة فجاءت كتبه في ذلك الغاية الكافية والنهاية الفاضلة انتهى 
وألف ببغداد معظم كتبه وتوفي بدمشق في سنة تسع وثلاثين وثلاث مائة وصلى عليه سيف الدولة في أربعة من خواصه , وقد ناهز الثمانين , ودفن في مقابر باب الصغير 
وفاراب بفتح الفاء والراء وبينهما ألف وبعدها باء موحدة , وهي من بلاد الترك , وتسمى الآن أطرار بضم الهمزة وسكون الطاء المهملة وبين الراءين ألف ساكنة, وكان أبوه قائد جيشوقال ابن سينا: سافرت في طلب الشيخ أبي نصر وما وجدته, وليتني وجدته فكانت حصلت إفادة 
وقال: قرأت كتاب ما بعد الطبيعة فما كنت أفهم ما فيه, والتبس علي غرض واضعه , حتى قرأته أربعين مرة وصار محفوظا , وأيست من فهمه , وقلت: لا سبيل إلى فهمه, فبينا أنا يوما بعد صلاة العصر في الوراقين , وإذا بدلال ينادي على مجلد , فعرضه علي فرددته رد متبرم به , معتقد أن هذا العلم لا فائدة فيه , فقال :اشتره فإني أبيعك أياه بثلاثة دراهم, فاشتريته فإذا هو من تصانيف أبي نصر في أغراض ذلك الكتاب , فرجعت إلى بيتي , وأسرعت قراءته , فانفتح علي في الوقت أغراض ذلك الكتاب وفهمته, وفرحت فرحا شديدا, وتصدقت ثاني يوم على الفقراء بشيء كثير ,انتهى 

المصدر: [ الوافي بالوفيات 1/ 103 ]

قلت - رحم الله والدي - :
قال الذهبي في ترجمته : له تصانيف مشهورة، من ابتغى الهدى منها، ضل وحار , منها تخرج ابن سينا، نسأل الله التوفيق.ترجمة الفارابي في: سير أعلام النبلاء 15/ 416 , تاريخ الحكماء: 277 - 280، طبقات الاطباء: 603 ، وفيات الأعيان: 5 / 153 ، البداية والنهاية: 11 / 224، شذرات الذهب: 2 / 350.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق